حتى دخل الإيوان ، فبصر بنا موسى وهو قاعد في صدر الإيوان على سريره وبجنبي السرير رجال متسلحون وكذلك كانوا يصنعون ، فلما أن رآه موسى ، رحب به وقربه وأقعده على سريره ، ومنعت أنا حين وصلت إلى الإيوان أن أتجاوزه ، فلما استقر أبو بكر على السرير التفت فرآني حيث أنا واقف ، فناداني : تعال ويحك ، فصرت إليه ونعلي في رجلي ، وعلي قميص وإزار ، فأجلسني بين يديه ، فالتفت إليه موسى فقال : هذا رجل تكلمنا فيه؟ قال : لا ولكني جئت به شاهدا عليك. قال : في ماذا؟ قال : إني رأيتك وما صنعت بهذا القبر. قال : أي قبر؟ قال : قبر الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وكان موسى قد وجه إليه من كربه وكرب جميع أرض الحائر وحرثها وزرع الزرع فيها ، فانتفخ موسى حتى كاد أن ينقد ، ثم قال : وما أنت وذا؟ قال : اسمع حتى أخبرك ، اعلم أني رأيت في منامي كأني خرجت إلى قومي بني غاضرة ، فلما صرت بقنطرة الكوفة اعترضني خنازير عشرة تريدني ، فأغاثني الله برجل كنت أعرفه من بني أسد فدفعها عني ، فمضيت لوجهي ، فلما صرت إلى شاهي ضللت الطريق ، فرأيت هناك عجوزا فقالت لي : أين تريد ، أيها الشيخ؟ قلت : أريد الغاضرية. قالت لي : تبطن (١) هذا الوادي ، فإنك إذا أتيت آخره اتضح لك الطريق.
فمضيت ففعلت ذلك فلما صرت إلى نينوى إذا أنا بشيخ كبير جالس هناك ، فقلت : من أين أنت أيها الشيخ؟ فقال لي : أنا من أهل هذه القرية. فقلت : كم تعد من السنين؟ فقال. ما أحفظ ما مض من سني وعمري ، ولكن أبعد ذكري أني رأيت الحسين بن علي عليهالسلام ومن كان معه من أهله ومن تبعه يمنعون الماء الذي تراه ولا يمنع الكلاب ولا الوحوش شربه! فاستفظعت ذلك وقلت له : ويحك أنت رأيت هذا؟ قال : إي والذي سمك السماء ، لقد رأيت هذا أنها الشيخ وعاينته ، وإنك وأصحابك هم الذين يعينون على ما قد رأينا مما أقرح عيون المسلمين ، إن كان في
__________________
(١) تبطن الشئ : توسطه.