عنها كشحا ، وقد طفقنا عنها برهة بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية (١) عمياء يرضع فيها الصغير ويدب فيها الكبير.
فرأيت الصبر على هاتا أحجى (٢) ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، بين أن أرى تراث محمد صلىاللهعليهوآله نهبا. إلى أن حضرته الوفاة فادلى بها إلى عمر ، فيا عجبا! بينا هو يستقيلها في حياته ، إذ عهد بها وعقدها لآخر بعد وفاته! لشد ما شاطرا ضرعيها ، ثم تمثل :
شتان ما يومي على كورها |
|
ويوم حيان أخي جابر |
فعقدها والله في ناحية خشناء ، يخشن مسها ويغلظ كلمها (٣) ، ويكثر العثار والاعتذار فيها ، صاحبها منها كراكب الصعبة ، إن أشنق لها (٤) خرم ، وإن أسلس لها عسفت به ، فمني الناس ـ لعمر الله ـ بخباط وشماس وتلون واعتراس ، إلى أن مضى لسبيله ، فجعلها شورى بين ستة زعم أني أحدهم ، فيا للشورى ولله! متى اعترض الريب في مع الأولين فأنا الآن أقرن إلى هذه النظائر! ولكني أسففت (٥) مع القوم حيث أسفوا ، وطرت مع القوم حيث طاروا ، صبرا لطول المحنة وانقضاء المدة ، فمال رجل لضغنه وأصغى آخر إلى صهره مع هن وهن (٦) ، إلى أن قام الثالث نافجا حضنيه بين نثيله (٧) ومعتلفه منها ، وأسرع معه بنو أبيه في مال الله يخضمونه خضم الإبل نبتة الربيع ، حتى انتكثت به بطانته ، وأجهز عليه عمله.
فما راعني من الناس إلا وهم رسل كعرف الضبع ، يسألوني أن أبايعهم وآبى
__________________
(١) الطخية : الظلمة.
(٢) أحجى : ألزم.
(٣) الكلم : الجرح.
(٤) أي كفها بالزمام.
(٥) أسف الطائر : دنا من الأرض.
(٦) أي مع أغراض يكره ذكرها.
(٧) النثيل : الروث.