وكانت له ظئر (١) ، وكانت كاهنة ، وكانت تعجب بشبابه وعظم خلقته ، وكانت تقول له : قاتل كل من قاتلك وغالب كل من غالبك إلا من تسمى عليك بحيدرة ، فإنك إن وقفت له هلكت.
قال : فلما كثر مناوشته ، وبعل الناس بمقامه (٢) شكوا ذلك إلى النبي صلىاللهعليهوآله وسألوه أن يخرج إليه عليا عليهالسلام ، فدعا النبي صلىاللهعليهوآله عليا عليهالسلام ، وقال له : يا علي اكفني مرحبا ، فخرج إليه أمير المؤمنين عليهالسلام ، فلما بصر به مرحب أسرع إليه فلم يره يعبأ به ، فأنكر ذلك وأحجم عنه ، ثم أقدم وهو يقول :
أنا الذي سمتني أمي مرحبا
فأقبل علي عليهالسلام بالسيف ، وهو يقول :
أنا الذي سمتني أمي حيدره
فلما سمعها منه مرحب هرب ولم يقف خوفا مما حذرته منه ظئره ، فتمثل له إبليس في صورة حبر من أحبار اليهود ، فقال : إلى أين يا مرحب؟ فقال : قد تسمى علي هذا القرن بحيدرة. فقال له إبليس : فما حيدرة؟ فقال : إن فلانة ظئري كانت تحذرني من مبارزة رجل اسمه حيدرة ، وتقول : إنه قاتلك. فقال له إبليس : شوها لك ، لو لم يكن حيدرة إلا هذا وحده لما كان مثلك يرجع عن مثله ، تأخذ بقول النساء وهن يخطئن أكثر مما يصبن ، وحيدرة في الدنيا كثير ، فارجع فلعلك تقتله ، فإن قتلته سدت قومك وأنا في ظهرك استصرخ اليهود لك. فرده فوالله ما كان إلا كفواق (٣) ناقة حتى ضربه علي عليهالسلام ضربة سقط منها لوجهه وانهزم اليهود وهم يقولون : قتل مرحب ، قتل مرحب.
قال : وفي ذلك يقول الكميت بن زيد الأسدي رحمهالله في مدحه
__________________
(١) الظئر : المرضعة.
(٢) أي تحيروا ودهشوا.
(٣) الفواق : الوقت بين الحلبتين