يا أبا ذر ، والذي نفس محمد بيده لو أن الدنيا كانت تعدل عند الله ( عزوجل ) جناح بعوضة ما سقى الكافر والفاجر منها شربة من ماء.
يا أبا ذر ، إن الدنيا ملعونة ، ملعون ما فيها إلا ما ابتغى به وجه الله ( عزوجل ).
يا أبا ذر ، ما من شئ أبغض إلى الله من الدنيا ، خلقها ثم أعرض عنها فلم ينظر إليها ، ولا ينظر إليها حتى تقوم الساعة ، وما من شئ أحب إلى الله ( تعالى ) من الايمان به وترك ما أمر أن يترك.
يا أبا ذر ، إن الله ( تعالى ) أوحى إلى أخي عيسى عليهالسلام : يا عيسى ، لا تحب الدنيا فإني لست أحبها ، وأحب الآخرة فإنها دار المعاد.
يا أبا ذر ، إن جبرئيل عليهالسلام أتاني بخزائن الدنيا على بغلة شهباء ، فقال : يا محمد ، إن هذه خزائن الأرض ولا تنقصك من حظك عند ربك ( تعالى ) ، فقلت : حبيبي جبرئيل ، لا حاجة لي فيها ، إذا شبعت شكرت ربي ، وإذا جعت سألته.
يا أبا ذر ، إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين ، وزهده في الدنيا ، وبصره بعيوب نفسه.
يا أبا ذر ، ما زهد عبد في الدنيا إلا أثبت الله الحكمة في قلبه ، وأنطق بها لسانه ، وبصره عيوب الدنيا وداءها ودواءها ، وأخرجه منها سالما إلى دار السلام.
يا أبا ذر ، إذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا فاستمع منه ، فإنه يلقي إليك الحكمة. ففلت : يا رسول الله ، من أزهد الناس؟ قال : من لم ينس المقابر والبلى ، وترك ما يفنى لما يبقى ، ومن لم يعد غدا من أيامه ، وعد نفسه في الموتى.
يا أبا ذر ، إن الله ( تعالى ) لم يوح إلي أن أجمع المال ، لكن أوحى إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين (١).
يا أبا ذر ، إني ألبس الغليظ ، وأجلس على الأرض ، وأركب الحمار بغير سرج ، وأردف خلفي ، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
__________________
(١) تضمين من سورة الحجر ١٥ : ٩٨ و ٩٩.