يتقلبون ، هؤلاء تحشى جماجمهم بمسك الجنان ، وهؤلاء يضربون بمقامع النيران ، هؤلاء يعانقون الحور في الحجال ، وهؤلاء يطوقون أطواقا في النار بالاغلال ، في قلبه فزع قد أعيى الأطباء وبه داء لا يقبل الدواء.
يامن يسلم إلى الدود ويهدى إليه ، اعتبر بما تسمع وترى ، وقل لعينيك تجفو لذة الكرى ، وتفيض من الدموع بعد الدموع تترى ، بيتك القبر بيت الأهوال والبلى ، وغايتك الموت.
يا قليل الحياء ، اسمع يا ذا الغفلة والتصريف ، من ذي الوعظ والتعريف ، جعل يوم الحشر يوم العرض والسؤال ، والحباء والنكال ، يوم تقلب إليه أعمال الأنام ، وتحصى فيه جميع الآثام ، يوم تذوب من النفوس أحداق عيونها ، وتضع الحوامل ما في بطونها ، ويفرق بين كل نفس وحبيبها ، ويحار في تلك الأهوال عقل لبيبها ، إذ تنكرت الأرض بعد حسن عمارتها ، وتبدلت بالخلق بعد أنيق زهرتها ، أخرجت من معادن الغيب أثقالها ، ونفضت إلى الله أحمالها ، يوم لا ينفع الجد إذ عاينوا الهول الشديد فاستكانوا ، وعرف المجرمون بسيماهم فاستبانوا ، فانشقت القبور بعد طول انطباقها ، واستسلمت النفوس إلى الله بأسبابها ، كشف عن الآخرة غطاؤها ، وظهر للخلق أنباؤها ، فدكت الأرض دكا دكا ، ومدت لأمر يراد بها مدا مدا ، واشتد المثارون إلى الله شدا شدا ، وتزاحفت الخلائق إلى المحشر زحفا زحفا ، ورد المجرمون على الأعقاب ردا ردا ، وجد الامر ـ ويحك يا إنسان ـ جدا جدا ، وقربوا للحساب فردا فردا ، وجاء ربك والملك صفا صفا ، يسألهم عما عملوا حرفا حرفا ، فجئ بهم عراة الأبدان ، خشعا أبصارهم ، أمامهم الحساب ، ومن ورائهم جهنم ، يسمعون زفيرها ، ويرون سعيرها ، فلم يجدوا ناصرا ولا وليا يجيرهم من الذل ، فهم يعدون سراعا إلى مواقف الحشر ، يساقون سوقا ، فالسماوات مطويات بيمينه كطي السجل للكتب ، والعباد على الصراط وجلت قلوبهم ، يظنون أنهم لا يسلمون ، ولا يؤذن لهم فيتكلمون ، ولا يقبل منهم فيعتذرون ، قد ختم على أفواههم ، واستنطقت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.