الحقيقة بوضع متأخّر مع عدم تبيّن حال زمانه صلىاللهعليهوآله ، فلا تعلّق لأحكام البئر حينئذ ، ولعلّه من أحد هذه الأقسام الآبار الغير النابعة ، كما في بلاد الشام ـ على ما حكي ـ والجارية تحت الأرض كما في المشهد الغرويّ على ساكنه السلام ، ولذا صرّح صاحب المدارك (١) فيهما بعدم تعلّق أحكام البئر.
ومن هذا الباب بعض العيون النابعة الّتي يخرج منها الماء إلى حدّ معيّن لا يتعدّاه إلى وجه الأرض على وجه يجري فيها ، وبعض الآبار الّتي يكثر ماؤها حتّى يجري على وجه الأرض ، فإنّها وإن سمّيت « بئرا » غير أنّه لا يجري عليها أحكام البئر ، كما هو المصرّح به في كلام بعضهم.
وكان قيد « النبع » في الحدّ لإخراج الآبار الغير النابعة ، وقيد « عدم التعدّي » ـ أي عدم بروزه على وجه الأرض ـ لإخراج العيون الجارية ، وقيد « الغالب » لإدخال ما ذكرناه من بعض الآبار ، إن كان النظر في اعتبار الغلبة والندرة إلى الأفراد ، وإن كان النظر فيهما إلى الأزمان والأحيان فلا بدّ من فرض الكلام في بئر يتعدّى ماؤها إلى وجه الأرض في بعض الفصول ، فإنّها من أفراد الماهيّة وإن لم يجر عليها أحكام البئر حال جريانها ، وقيد « عدم الخروج عن المسمّى عرفا » لإخراج بعض العيون حسبما فرضناه.
وممّا ربّما يشكّ في حكمه ، الآبار المتثاقبة الّتي تدخل الماء من بعضها إلى بعض بثقبات تحتها ، من دون أن يجري على وجه الأرض ، بل يدخل في صورة الشكّ بئر يكون ماؤها متّصلا بالكرّ أو الجاري ، لكن هذا الشكّ ليس من جهة الشكّ في التسمية ، بل من جهة الشكّ في شمول الأدلّة لمثل هذا الفرد ، كما أنّ عدم جريان أحكام البئر لما تعدّى ماؤها إلى وجه الأرض من جهة الشكّ في شمول الأدلّة.
ولا يجدي في إثبات الشمول التعليل الوارد في رواية ابن بزيع « بأنّ له مادّة » (٢) ، إمّا لظهور كونه لبيان الملازمة بين النزح وزوال التغيّر ـ حسبما قرّرناه في بحث الجاري ـ أو لكونه مجملا بتردّده بين كونه لبيان تلك الملازمة أو الملازمة بين ماء البئر وعدم إفساد شيء إيّاه ، مع أنّه لو قلنا بنجاسة ماء البئر بالملاقاة لا يجدينا هذا التعليل رأسا ، وإن قلنا برجوعه إلى الملازمة الثانية ، لكون أصل الرواية متروكة الظاهر عند أهل القول بالنجاسة.
__________________
(١) مدارك الأحكام ١ : ٥٣.
(٢) الوسائل ١ : ١٧٢ ب ١٤ من أبواب الماء المطلق ح ٦.