وعلى أيّ حال كان فماء البئر ـ بالمعنى الّذي يكشف عنه العرف ـ إن تغيّر أحد أوصافه بالنجاسة الواقعة فيها نجس قولا واحدا نصّا وفتوى ، وعليه الإجماعات المنقولة مستفيضة ، ومع ذا كلّه فهو من مقتضى كون التغيّر علّة تامّة للنجاسة ـ حسبما قرّرناه في المباحث السابقة ـ وأمّا مع عدم تغيّر أحد أوصافه بالنجاسة الواقعة فيها ففي تنجّسه والعدم خلاف على أقوال :
أحدها : ما حكي عليه الشهرة بين قدماء أصحابنا من أنّه ينجّس بمجرّد ملاقاة النجاسة ولو كان كثيرا ، كما عن الصدوقين (١) ، والشيخين (٢) ، بل المشايخ الثلاث وأتباعهم ، والحلّي (٣) ، وابن سعيد (٤) ، والمحقّق في المصريّات (٥) والشهيدين (٦) أيضا ، وعن الأمالي : « أنّه من دين الإماميّة » (٧) ، وعن الانتصار (٨) والغنية (٩) والسرائر (١٠) ومصريّات (١١) المحقّق نفي الخلاف عنه ، وربّما نسب ذلك إلى الشيخ في التهذيبين غير أنّا لم نقف من كلامه فيهما على ما يدلّ على ذلك صراحة وظهورا.
وعن كاشف الرموز : « أنّ عليه فتوى الفقهاء من زمن النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى يومنا هذا » (١٢) وعن غاية المراد : « أنّ عليه عمل الإماميّة في سائر الأعصار والأمصار » (١٣) وعن الروضة : « كاد يكون إجماعا » (١٤) وفي المنتهى : « وذهب الجمهور إلى التنجيس
__________________
(١) الفقيه ١ : ١٣ ـ المقنع : ١٠ ـ ٩ ـ ١.
(٢) وهما المفيد في المقنعة : ٦٤ والشيخ الطوسي قدسسره في النهاية ١ : ٢٠٧.
(٣ و ١٠) السرائر ١ : ٦٩.
(٤) الجامع للشرائع : ١٩.
(٥) المسائل المصريّة (الرسائل التسع ـ للمحقّق الحلّي ـ : ٢٢١).
(٦) وهما الشهيد الأوّل في الدروس الشرعيّة ١ : ١١٩ ؛ وذكرى الشيعة ١ : ٨٧ ؛ والشهيد الثاني في الروضة البهيّة ١ : ٣٥ ؛ وروض الجنان : ١٤٥ ؛ وغاية المراد ١ : ٦٦.
(٧) أمالي الصدوق : ٥١٤.
(٨) الانتصار : ٨٩. (٩) غنية النزوع : ٤٦.
(١١) لم نجد فيه دعوى عدم الخلاف في المسألة ، قال فيه ص ٢٢١ : « لأصحابنا في هذه قولان : أحدهما : النجاسة ووجوب النزح للتطهير : وهو اختيار المفيد قدسسره والشيخ أبي جعفر الطوسي في النهاية وعلم الهدى من تابعهم والثاني : أنّها لا تنجّس إلّا بالتغيّر ولا يجب النزح إلّا معه ، وهو اختيار قوم من القدماء ... والمختار هو الأوّل ».
(١٢) كشف الرموز ١ : ٤٩ ـ ٤٨.
(١٣) غاية المراد ١ : ٦٦ (من منشورات مكتبة الإعلام الإسلامى بقمّ المشرّفة).
(١٤) الروضة البهيّة ١ : ٣٥.