ورابعها : ما عزى إلى ابن الزهرة (١) وتبعه الشهيد في الذكرى (٢) من أنّه ينزح الأكثر ممّا يحصل به زوال التغيّر واستيفاء المقدّر ، ومستنده الجمع بين أخبار التقدير وأخبار زوال التغيّر ، وكأنّ المراد بهذا الجمع ليس معناه المصطلح عليه المستلزم لطرح ظاهر أو ظاهرين بل العمل بالدليلين معا من غير طرح وإسقاط ، بناء على ما قدّمنا توجيهه من أنّ الأخذ بأكثر كلّ من الجانبين عمل بأقلّ الجانب الآخر من حيث أنّه مندرج فيه.
وعلى هذا فلا وقع لما يعترض عليه بما في الحدائق من : « أنّه لا منافاة بين ما دلّ على نزح مقدار مخصوص مع عدم التغيّر وما دلّ على نزح ما يزول به التغيّر وإن اتّحدت النجاسة ليحتاج إلى الجمع بين أخبارهما ، لتغاير السببين الموجب لتغاير الحكمين » (٣). فإنّ مراعاة اتّحاد السبب إنّما تعتبر في قاعدة الحمل لا الجمع بالمعنى المذكور.
ثمّ على فرض شمول أخبار التقدير لجميع أحوال زوال التغيّر حتّى ما لو كان المزيل أقلّ من المقدّر أو بالعكس فلازمه دلالة دليل الأقلّ على كفايته في التطهير ، ودلالة دليل الأكثر على خلاف ذلك وهو عين التعارض ، فكيف ينفي المنافاة عمّا بينهما ، ولو لا ما قدّمنا ذكره من منع تناول أخبار التقدير لحالة التغيّر كان ذلك القول جيّدا متعيّنا للقبول جدّا ، وإن كان قد أهمل قائلوه في حكم ما لم يكن للنجاسة المغيّرة تقدير ، فمن هنا كان القول الآتي أجود منه لتعرّضه لبيان حكم ما لا تقدير له من اعتبار إزالة التغيّر ، ويمكن إرجاع ما ذكر إلى هذا القول فلا يكون حينئذ قولا على حدة.
وخامسها : ما نسب إلى صاحب المعالم (٤) وظاهر جملة من تأخّر من أنّه ينزح أكثر الأمرين ممّا يزول معه التغيّر أو يستوفى به المقدّر إن كان للنجاسة المغيّرة تقدير ، وإلّا اكتفى بزوال التغيّر ؛ واستظهره الخوانساري (٥) ، وصاحب الحدائق (٦) ، وهذا هو الحقّ الذي لم يكن محيص عن اختياره لو لا ما تقدّم ، وعليه اتّضح ضعفه مع حجّته وهو الجمع بين النصوص الدالّة على الاكتفاء بزوال التغيّر والنصوص الموجبة لاستيفاء المقدّر في الحكم الأوّل ، وعموم النصوص الأوّلة في الحكم الثاني حيث لا معارض لها فيما لا مقدّر له.
__________________
(١) غنية النزوع : ٤٨.
(٢) ذكرى الشيعة ١ : ٨٨.
(٣) الحدائق الناضرة ١ : ٧٨ (حجريّة) ـ سقط هذا الفقرة من الحدائق ط مؤسّسة النشر الإسلامي لاحظ الحدائق الناضرة ١ : ٣٦٧ و ٣٦٨. ولذا أرجعناه إلى الطبعة الحجريّة.
(٤) فقه المعالم ١ : ٢٦٣.
(٥) مشارق الشموس : ٢٣٩.
(٦) الحدائق الناضرة ١ : ٣٦٨.