منها : أنّ الّذي يقتضيه عبارة المقنعة (١) المحكيّة في التهذيب كون حكم التراوح معلّقا على صعوبة نزح الجميع وتعسّره ، لقوله : « وإن مات فيها بعير نزح جميع ما فيها ، فإن صعب ذلك لغزارة الماء وكثرته تراوح على نزحه أربعة رجال » (٢) إلى آخره.
إلّا أنّ مقتضى صريح الجماعة كونه معلّقا على التعذّر ، والخبر المتقدّم (٣) الّذي هو مستند الحكم يعضد الأوّل ، لوقوع التعبير فيه بالغلبة الّتي هي أعمّ من موجب التعذّر ، بل يوافقه صريح الرضوي (٤) إن قلنا بالعمل به ، ولعلّ كلام الجماعة مبنيّ على خارج بلغهم من إجماع وغيره ، وإلّا فلا يساعدهم الدليل النقلي كما عرفت.
ويمكن ابتناؤه على مراعاة الاحتياط الّذي هو حسن على كلّ حال ، وإن كان كلامهم فيما نعلم خلوّا عن التعليل به ، بل عن التعرّض لذكر هذا الفرع.
وكيف كان فالمعتبر في التعذّر أو التعسّر الموجبين للاكتفاء بالتراوح كونه ناشئا عن كثرة الماء وغزارته المانعة عن نزح جميعه ، كما هو المصرّح به في كلماتهم ، المنصوص عليه في الخبرين المتقدّمين ، فلا يجتزأ به لو كان العذر أو العسر لمانع خارجي ، اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النصّ.
ومنها : أنّ مقتضى القاعدة المشار إليها وقوع النزح في النهار القائم المتّصل طويلا كان أو قصيرا لإطلاق النصّ ، فلا يكفي مقداره من الليل ولا الملفّق من الليل والنهار كائنا ما كان ، ولا نصف النهار لو فرض فيه وقوع ما يقع في النهار التامّ من العمل ، كما أنّه لا يجب تحرّي أطول الأيّام ، بل هو في كثير من الصور منفيّ بالضرر.
لكنّ الكلام في تحديد النهار هنا من حيث احتمال كون العبرة فيه بما بين طلوع الشمس وغيبوبتها ، كما هو في ظاهر العرف المنصرف إليه الإطلاق في النذور والإجارات وغيرها من العقود ، أو بما هو معتبر في يوم الصوم كما يساعد عليه الاحتياط وخرج به في كلام جماعة من الأصحاب.
وعلى أيّ حال فيجب تهيئة الأسباب قبل الوقت ، بل أخذ شيء من الطرفين للعمل شروعا وختما مقدّمة للعلم ، وربّما يقال بوجوب التهيّؤ قبل الوقت حتّى بالقياس إلى
__________________
(١) المقنعة : ٦٧.
(٢) التهذيب ١ : ٢٤٠.
(٣ و ٤) قد تقدّم آنفا في الصفحة ١٨٦.