بقائها سببا للبقاء أيضا فلا ، غاية الأمر وقوع الشكّ في البقاء فيجري فيه الاستصحاب. ثمّ في اشتراط القلّة هنا في موضوع الكراهة وعدمه وجهان ، بل قولان ـ على ما قيل ـ أقواهما : العدم ، عملا بالإطلاق.
ثمّ ما تقدّم من كراهة مطلق الاستعمال إنّما هو فيما استلزم المباشرة بالجسد أو عضو منه ، وأمّا مع عدم المباشرة كما لو أزال به نجاسته أو سقى به دابّة أو نحو ذلك فالظاهر انتفاء الكراهة ، نظرا إلى التعليل بإيراث البرص ، وعلى قياس ذلك في انتفاء الكراهة ما لو سخّنت الشمس آنية خالية ، ثمّ وضع فيها ماء وهي حارّة ، فأفادت فيه سخونة وحرارة من غير أن يستند ذلك حينئذ إلى تأثير من الشمس ، فإنّ ذلك غير معلوم الاندراج في دليل الكراهة ولا فتاوى الطائفة إن لم ندّع العلم بعدم اندراجه ، بل نظيره ما لو تسخّن ماء الآنية بتأثير من الشمس والنار على نحو الشركة بحيث لو لا أحدهما لم يكن الآخر كافيا في تسخينه ، فإنّ المستفاد من النصوص كون الشمس علّة تامّة للسخونة ، ومثله ما لو وجد الماء متسخّنا في موضع صالح لأن يستند سخونته إلى الشمس أو النار من غير أن يتبيّن عنده أحد الأمرين ، سواء بقي شاكّا أو ظانّا ما لم يكن الظنّ مستندا إلى دليل شرعي ، فإنّ الأصل في كلّ من هاتين الصورتين سليم عن معارضة الغير.
ولنختم الكتاب بذكر امور اخر تلحق بهذا الباب.
أحدها : أنّه يكره استعمال ما اسخن بالنار في تغسيل الموتى ما دام الغاسل متمكّنا من استعمال الماء البارد ، أو لم يكن على بدن الميّت ما لا يقلعه إلّا الماء الحارّ من نجاسة أو وسخ أو نحو ذلك ، من غير خلاف يحكى في المقام ، بل في كلام غير واحد (١) نفي الخلاف ، بل عن خلاف الشيخ (٢) إجماع الفرقة وأخبارهم عليه ، وفي المدارك : « هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، حكاه في المنتهى » (٣).
والأصل فيه صحيحة زرارة قال : قال أبو جعفر عليهالسلام : « لا يسخّن الماء للميّت » (٤) ومرسلة
__________________
(١) كما في جواهر الكلام ١ : ٦٠٤ ؛ ومدارك الأحكام ١ : ١١٨.
(٢) الخلاف ١ : ٦٩٢ المسألة ٤٧٠.
(٣) مدارك الأحكام ١ : ١١٨ ـ لاحظ منتهى المطلب ٧ : ١٦٠.
(٤) الوسائل ٢ : ٤٩٨ ب ١٠ من أبواب غسل الميّت ح ١ ـ التهذيب ١ : ٣٢٢ / ٩٣٨.