إنّا فقدناك فقدَ الأرضِ وابلَها |
|
واختلَّ قومك فاشهدهمْ ولا تغب (١) |
هذه كلّها كانت تهدّد السواد ، وتروّع عامّة الناس وما كان لأحد في إصلاح القوم مطمع ، ولا لأيّ من الأمّة بعد ما شاهد الحال يوم ذاك حسبان حرمة ولا كرامة لنفسه يقوم بها تجاه ذلك التيّار المتدفّق.
وكانت هناك أمّة تراها سكرى ـ وما هي بسكرى ـ من حراجة الموقف تسارّها هواجسها بالتربّص إلى حين ، حتى تضع الغائلة أوزارها ، ويتّضح مآل أمر دبّر بليل ، ويتبيّن الرشد من الغيِّ ، وهواجس تجعل جماعة كالنزيعة (٢) تجهش وتحنُّ وتقرع سنّ الأسف ، وكم حنون لا يجديه حنينه.
وما عساني أن أقول في تلك الخلافة بعد ما رآها أبو بكر وعمر بن الخطّاب فلتة كفلتة الجاهليّة وقى الله شرّها (٣)؟
بعد ما حكم عمر بقتل من عاد إلى مثل تلك البيعة (٤).
بعد قوله يوم السقيفة : من بايع أميراً عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا بيعة للذي بايعه تغرّة أن يقتلا (٥).
__________________
(١) طبقات ابن سعد : ص ٨٥٣ [ ٢ / ٣٣٢ ] ، شرح ابن أبي الحديد : ٢ / ١٧ [ ٦ / ٤٣ خطبة ٦٦ ] ، ١ / ١٣٢ [ ٢ / ٥٠ خطبة ٢٦ ] ، وقد يعزى البيتان مع أبيات أخرى إلى الصدّيقة فاطمة سلام الله عليها. (المؤلف)
(٢) يقال : نزعت الناقة إلى وطنها فهي نزيعة : أي حنّت واشتاقت.
(٣) التمهيد للباقلاّني : ص ١٩٦ ، شرح ابن أبي الحديد : ٢ / ١٩ [ ٦ / ٤٧ خطبة ٦٦ ] ، الغدير لنا : ٥ / ٣٧٠. (المؤلف)
(٤) التمهيد للباقلاّني : ص ١٩٦ ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ١٢٣ ، ١٢٤ [ ٢ / ٢٦ خطبة ٢٦ ] ، الصواعق لابن حجر : ص ٢١ [ ص ٣٦ ]. (المؤلف)
(٥) صحيح البخاري : ١٠ / ٤٤ [ ٦ / ٢٥٠٧ ح ٦٤٤٢ ] باب رجم الحبلى من الزنا ، مسند أحمد : ١ / ٥٦