وأخرج عبد بن حميد عن عطاء أنّه قال : أوّل ما نزل في تحريم الخمر (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) الآية ، فقال بعض الناس : نشربها لمنافعها التي فيها. وقال آخرون : لا خير في شيء فيه إثم ، ثمّ نزل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) (١) الآية ، فقال بعض الناس : نشربها ونجلس في بيوتنا. وقال آخرون : لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة مع المسلمين. فنزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) الآية. فانتهوا (٢).
ولتعدّد آيات الخمر واختلاف السلف فيها وتأويل جمع منهم آيتي البقرة والنساء من تلكم الآيات وقع الخلاف في تاريخ حرمتها على أقوال :
١ ـ الأخذ بما أخرجه الطبراني (٣) من طريق معاذ بن جبل ؛ من أنّ أوّل ما نهى عنه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حين بعث : شرب الخمر وملاحاة الرجال (٤) فتحريم الخمر كان في أوليات الهجرة إن لم تكن في أوليات البعثة ، ويساعده ما صحّ عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم من أنّ أعظم الكبائر شرب الخمر (٥) ويبرمه النظر في آيات الخمر ؛ فالآية الأولى منها من سورة البقرة ، وهي أوّل سورة نزلت بالمدينة (٦) ، والآية الثانية في سورة النساء وقد نزلت في أوائل الهجرة (٧).
ولعلّ هذا رأي كلّ من رأى حرمة الخمر بآية البقرة ، قالت عائشة : لمّا نزلت
__________________
(١) النساء : ٤٣.
(٢) تفسير الآلوسي : ٧ / ١٧. (المؤلف)
(٣) المعجم الكبير : ٢٠ / ٨٣ ح ١٥٧.
(٤) أوائل السيوطي : ص ٩٠. (المؤلف)
(٥) الغدير : ٦ / ٢٥٧. (المؤلف)
(٦) تفسير القرطبي : ١ / ١٣٢ [ ١ / ١٠٧ ] ، تفسير ابن كثير : ١ / ٣٥ ، تفسير الخازن : ١ / ١٩. (المؤلف)
(٧) راجع ما يأتي في الجزء الثامن صفحة : ١١ من الطبعة الأولى. (المؤلف)