الموقّعين (١) (ص ١٩) : إنّ أبا بكر نزلت به قضيّة فلم يجد في كتاب الله منها أصلاً ، ولا في السنّة أثراً ، فاجتهد رأيه ثمّ قال : هذا رأيي فإن يكن صواباً فمن الله ، وإن يكن خطأً فمنّي وأستغفر الله. وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء عن ابن سعد (٢) (ص ٧١).
وقال ميمون بن مهران : كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم فإن وجد في الكتاب أو علم من رسول الله ما يقضي بينهم قضى به ، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال : أتاني كذا وكذا فهل علمتم أنّ رسول الله قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر كلّهم يذكر من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه قضاءً ، فيقول أبو بكر : الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبيّنا ، فإن أعياه أن يجد فيه سنّة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جمع رءوس الناس وخيارهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به (٣).
هكذا كان شأن الخليفة في القضاء ، وهذا مبلغ علمه ، وهذه سيرته في العمل بالرأي المجرّد وقد قال عمر بن الخطّاب : أصبح أهل الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يعوها ، وتفلّتت منهم أن يرووها ، فاشتقّوا الرأي ، أيّها الناس إنّ الرأي إنما كان من رسول الله مصيباً ؛ لأنّ الله كان يريه ، وإنّما هو منّا الظنّ والتكلّف (٤).
ثمّ ما المسوّغ لمن سدّ فراغ النبيّ وأشغل منصّته أن يسأل الناس عن السنّة الشريفة ، ويأخذها ممّن هو خليفة عليه؟ ولما ذا خالف سيرته هذه لمّا سُئل عن الأبّ
__________________
(١) أعلام الموقّعين : ١ / ٥٤.
(٢) تاريخ الخلفاء : : ص ٩٨.
(٣) سنن الدارمي : ١ / ٥٨ ، وأخرجه البغوي كما في الصواعق : ص ١٠ [ ص ١٨ ]. (المؤلف)
(٤) كتاب العلم لأبي عمر : ٢ / ١٣٤ [ ص ٣٥١ ح ١٧٠٠ و ٣٦٣ ح ١٧٥٩ ] ، وفي مختصره : ص ١٨٥ [ ص ٣٢١ ح ٢٣١ ] ، أعلام الموقّعين : ص ١٩ [ ١ / ٥٤ ]. (المؤلف)