قال الأميني : لم يكن رأي الخليفة هذا متّخذاً من الكتاب والسنّة ، ولم يكن يعمل به أحد من الصحابة طيلة حياته ، وما اتّفق لجدّ يرث في أيّامه حتى يؤيّد رأيه ويقال : إنّ أحداً من الصحابة لم يخالف أبا بكر في حياته في رأيه هذا كما قاله البخاري والقرطبي (١). وأوّل جدّ كان في الإسلام وأراد أن يأخذ المال كلّه مال ابن ابنه دون أخوته هو عمر بن الخطّاب ، فأتاه عليّ وزيد فقالا : ليس لك ذلك إنّما كنت كأحد الأخوين ، وقد فصّلنا القول فيه في الجزء السادس (ص ١١٥ ـ ١١٨). فأوّل رجل خالف الخليفة في الجدّ هو خليفته بعده ، وقد اتّفق عليّ وعمر وعثمان وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وابن مسعود على خلاف الخليفة على توريث الأخوة مع الجدّ (٢) وهو قول مالك والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي وابن أبي ليلى (٣).
وافتعل القوم للخليفة عذراً بأنّه كان يرى الجدّ أباً لمكان قوله تعالى : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) (٤) وقوله : (يا بَنِي آدَمَ) بتقرير إطلاق الأب على الجدّ على الحقيقة. ولا يخفى على أيّ أحد أنّ صحّة هذا الإطلاق لا توجب اتّحاد الأب والجدّ في جميع الأحكام ، ألا ترى أنّ صحّة إطلاق الأمّ على الجدّة على الحقيقة وقولهم في تعريف الجدّة : إنّها الأمّ العليا (٥) لا تستدعي الاشتراك في النصيب فيرون مع هذه للجدّة السدس بالاتّفاق. وفريضة الأمّ هي الثلث بالكتاب والسنّة.
على أنّ الصحابة الأوّلين لم يكن عندهم أيّ إيعاز إلى هذا العذر المنحوت ، ولو
__________________
(١) راجع صحيح البخاري باب ميراث الجدّ [ ٦ / ٢٤٧٨ ] ، وتفسير القرطبي : ٥ / ٦٨ [ ٥ / ٤٦ ]. (المؤلف)
(٢) صحيح البخاري باب ميراث الجدّ [ ٦ / ٢٤٧٨ ] ، سنن الدارمي : ٢ / ٣٥٤ ، بداية المجتهد : ٢ / ٣٤٠ [ ٢ / ٣٤٣ ]. (المؤلف)
(٣) أحكام القرآن للجصّاص : ١ / ٩٤ [ ١ / ٨٢ ] ، تفسير القرطبي : ٥ / ٦٨ [ ٥ / ٤٦ ]. (المؤلف)
(٤) الحج : ٧٨.
(٥) تفسير القرطبي : ٥ / ٦٨ [ ٥ / ٤٦ ]. (المؤلف)