الأحزاب والفرق والأقوام والطوائف المتشاكسة ، مع شقاق القوميّة والطائفية والشعوبيّة الذائع الشائع في المسكين ابن آدم من أوّل يومه.
وقد اقترن الانتخاب من بدء بدئه بالتحارش والتلاكم والتكالم والتشازر والتصاخب والتخاصم حتى قدّت برود يمانيّة (١) ووقع البرح براحاً (٢) وكم بالانتخاب هُتكت حرمات وأهينت مقدّسات ، وأضيعت حقائق ، ودُحض الحقّ الثابت ، ودُحس الصالح العالم ، واختلّ الوئام ، وأقلق السلام ، وسفحت دماء زكيّة ، وتشلشلت أشلاء الإسلام الصحيح ، فجاء يطمع في الأمر من لا خلاق له من سوقي برديّ ، أو مبرطش ألهاه الصفق بالأسواق ، أو بزّاز يحمل بني أبيه على رقاب الناس ، أو حفّار قبور لا يعرف عرضه من طوله ، أو طليق غاشم ، أو خمّار سكّير ، أو مستهتر مشاغب ، من الذين اتّخذوا عباد الله خولاً ، ومال الله نحلاً ، وكتاب الله دغلاً ، ودين الله حولاً.
ومقتضى هذا البيان الضافي أن يكون الخليفة أفضل الخليقة أجمع في أمّته ، لأنّه لو كان في وقته من يماثله في الفضيلة أو من ينيف عليه استلزم تعيينه الترجيح بلا مرجّح أو التطفيف في كفّة الرجحان.
على أنّ الإمام لو قصر في شيء من تلك الصفات لأمكن حصول حاجته إلى المورد الذى نبا عنه علمه ، أو تضاءلت عنه بصيرته ، أو ضعفت عنه منّته ، فعندئذٍ الطامّة الكبرى من الفتيا المجرّدة ، والرأي لا عن دليل ، أو الأخذ عمّن يسدّده ، وفي الأوّل العيث والفشل ، وفي الثاني سقوط المكانة ، وقد أخذ في الإمام مثل النبي أن يكون بحيث يُطاع (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) (٣) وقرنت طاعة الإمام بطاعة الله ورسوله في قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٤)
__________________
(١) مثل يضرب في شدة الخصومة ، أي تخاصموا حتى تشاقّوا الثياب الغالية. (المؤلف)
(٢) البرح : الشدة والأذى والشرّ ، والبراح : الصراح البيّن. (المؤلف)
(٣) النساء : ٦٤.
(٤) النساء : ٥٩.