اختيارهم على جاهل يرتبك في الأحكام فيرتكب العظام ، ويأتي بالجرائم ، ويقترف المآثم وهو لا يعلم ، أو يعلم ولا يكترث لأن يقول زوراً ، ويحكم غروراً ، فيفسدوا من حيث أرادوا أن يصلحوا ، ويقعوا في الهلكة وهم لا يشعرون ، كما وقعت أمثال ذلك في البيعة لمعاوية ويزيد وخلفاء الأمويّين.
فعلى البارئ الذي يكره كلّ ذلك في خلقه أن لا يجعل لأحد من خلقه الخيرة فيها وقد خلقه ظلوماً جهولاً (١) (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (٢) ، (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (٣) في الأمر (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ، وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٤).
وقد أخبر به النبيّ الأعظم من أوّل يومه يوم عرض نفسه على القبائل فبلغ بني عامر بن صعصعة ودعاهم إلى الله ، فقال له قائلهم : أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثمّ أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال : «إنّ الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء» (٥).
أنّى تسوغ أن تكون للخلق خيرة في الأمر مع شيوع الغايات والأغراض والدعاوي والميول والشهوات في الناس حول الانتخاب ، مع اختلاف الأنظار وتضارب الآراء والمعتقدات في تحليل نفسيّات الرجال والشخصيّات البارزة ، مع كثرة
__________________
(١) راجع الأحزاب : ٧٢. (المؤلف)
(٢) الملك : ١٤.
(٣) القصص : ٦٧.
(٤) الأحزاب : ٣٦.
(٥) سيرة ابن هشام : ٢ / ٣٢ [ ٢ / ٦٦ ] ، الروض الأُنف : ١ / ٢٦٤ [ ٤ / ٣٨ ـ ٣٩ ] ، بهجة المحافل لعماد الدين العامري : ١ / ١٣٨ ، السيرة الحلبيّة : ٢ / ٣ ، سيرة زيني دحلان : ١ / ٣٠٢ [ ١ / ١٤٧ ] هامش الحلبيّة ، حياة محمد لهيكل : ص ١٥٢ [ ص ٢٠١ ـ ٢٠٢ ]. (المؤلف)