بعده موكولة إلى أناس أجانب لا يعرفون ما يرتئيه في شئونه ، بعداء عن مغازيه وما يروقه في ماله وأهله ، والفقيد عاقل رشيد يعرف الصالح من غيره ، ويعلم بنوايا من يلتاث (١) به ، ومن يحدوه الجشع ، وترقل (٢) به النهمة ، ويستفزّه الطمع ، أفتراه والحالة هذه يترك الوصيّة فيدع ما تركه أكلة للآكل ومطمعاً للناهب؟ لا.
لا يفعل ذلك وهو يريد خيراً بآله وصلاحاً في ماله ، وعلى ذلك جرت سنّة المسلمين منذ عهد الصحابة إلى يومنا الحاضر ، وأقرّته الشريعة الإسلاميّة ، وشرّعت للوصايا أحكاماً ، وجاء في الصحيحين (٣) عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «ما حقّ امرئٍ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلاّ ووصيّته مكتوبة عنده». كذا في لفظ البخاري ، وفي لفظ مسلم (٤) : «يبيت ثلاث ليال» ، قال ابن عمر : ما مرّت عليّ ليلة منذ سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال ذلك إلاّ وعندي وصيّتي. قال النووي في رياض الصالحين (٥) (١٥٦) : متّفق عليه.
وصّى الإلهُ وأوصتْ رسلُه فلذا |
|
كان التأسّي بهم من أفضلِ العملِ |
لو لا الوصيّةُ كان الخلقُ في عمهٍ |
|
وبالوصيّةِ دام الملكُ في الدولِ |
فاعمل عليها ولا تهمل طريقتَها |
|
إنّ الوصيّةَ حكمُ اللهِ في الأزلِ |
ذكرت قوماً بما أوصى الإلهُ به |
|
وليس إحداثُ أمرٍ في الوصيّةِ لي (٦) |
__________________
(١) يلتاث : يحوط.
(٢) الإرقال : الإسراع.
(٣) صحيح البخاري : ٤ / ٢ [ ٣ / ١٠٠٥ ح ٢٥٨٧ ] كتاب الوصية ، وصحيح مسلم : ٢ / ١٠ [ ٣ / ٤٤٦ ح ٤ كتاب الوصية ]. (المؤلف)
(٤) صحيح مسلم : ٣ / ٤٤٦ ح ٤ كتاب الوصية.
(٥) رياض الصالحين : ص ٢٤٣ ح ٥٧٥.
(٦) الجزء الأخير من الفتوحات المكيّة لابن عربي : ص ٥٧٥ [ ٤ / ٤٤٤ ]. (المؤلف)