حكم شرعيّ ، حتى كشف له الخطأ فيها جمعاء ، وقد وقعت فيها عظائم ، وأعقبتها طامّات ، وخليفة المسلمين يجب أن لا يرتكب ما يستتبعها ، ولا يفعل ما يوجب الندم في مغبّته ، وقصّة الأشعث بن قيس تعرب عن أنّ ندم الخليفة كان في محلّه ، فإنّ الرجل بعد ما ارتدّ وأتى بمعرّات وقاتل المسلمين وأُخذ وأُتي به أسيراً إلى الخليفة فقال : ما ذا تراني أصنع بك؟ فإنك قد فعلت ما علمت. قال : تمنّ عليّ فتفكّني من الحديد ، وتزوّجني أختك ، فإنّي قد راجعت وأسلمت. فقال أبو بكر : قد فعلت فزوّجه أمّ فروة ابنة أبي قحافة ، فاخترط سيفه ودخل سوق الإبل فجعل لا يرى جملاً ولا ناقة إلاّ عرقبه ، فصاح الناس : كفر الأشعث. فلمّا فرغ طرح سيفه وقال : إنّي والله ما كفرت ولكن زوّجني هذا الرجل أخته ولو كنّا في بلادنا كانت وليمة غير هذه ، يا أهل المدينة كلوا ، ويا أصحاب الإبل تعالوا خذوا شرواها ، فكان ذلك اليوم قد شبّه بيوم الأضحى ، وفي ذلك يقول وبرة بن قيس الخزرجي :
لقد أولم الكنديُّ يوم ملاكه |
|
وليمةَ حمّالٍ لثقل الجرائمِ |
لقد سلّ سيفاً كان مُذ كان مغمداً |
|
لدى الحرب منها في الطلا والجماجمِ |
فأغمده في كلّ بكرٍ وسابحٍ |
|
وعيرٍ وبغلٍ في الحشا والقوائمِ |
فقل للفتى الكنديّ يوم لقائِهِ |
|
ذهبت بأسنى مجد أولاد آدمِ |
وقال الأصبغ بن حرملة الليثي متسخّطاً لهذه المصاهرة :
أتيت بكنديّ قد ارتدّ وانتهى |
|
إلى غاية من نكث ميثاقه كفرا |
فكان ثوابُ النكثِ إحياءَ نفسِهِ |
|
وكان ثوابُ الكفر تزويجَه البكرا |
ولو أنّه يأبى عليك نكاحَها |
|
وتزويجَها منه لأمهرته مهرا |
ولو أنّه رام الزيادةَ مثلَها |
|
لأنكحته عشراً وأتبعته عشرا |
فقل لأبي بكر لقد شنتَ بعدَها |
|
قريشاً وأخملتَ النباهة والذكرا |
أما كان في تيمِ بنِ مرّةَ واحدٌ |
|
تُزوّجه لو لا أردت به الفخرا |