ودفع عائدة الحرّ والقرّ ولذلك لا يسقف إلاّ المحالّ التي يتصوّر فيها ذلك كالبيوت والحمّامات والحوانيت والربط وأمثالها. فقاصد المدينة للاستفادة ممّا فيها من علم أو ثروة أو أيّ من أقسام النفع معنويّة وماديّة لا يتوصّل بها إلاّ بالدخول من الباب ، فهو أهمّ ممّا جاء به ابن حجر من الأساس والجدار والسقف. وأمّا الحلقة فيُحتاج إليه لفتح الباب وسدّه والدقّ إذا كان مرتجاً غير أنّ باب علم النبوّة غير موصود ، ولا يزال مفتوحاً على البشر بمصراعيه أبد الدهر.
ثمّ إنّ من الواضح أنّ المراد من التعبير بالباب ليس الولوج والخروج فحسب وإنّما هو الاستفادة والأخذ ، ولا يتمّ هذا إلاّ أن يكون عنده كلّ علم النبوّة الذي أراد صلىاللهعليهوآلهوسلم سوق الأمّة إليه ، وحصر الطريق إلى ذلك بمن عبّر عنه بالباب تأكيداً للحصر ثمّ زاد في التأكيد بقوله : فمن أراد المدينة فليأتِ الباب.
فعليّ أمير المؤمنين هو الباب المبتلى به الناس ، ومن عنده كلّ علم النبوّة وكلّ ما يحتاج إليه البشر من فقه أو عظة أو خلق أو حكم أو حِكم أو سياسة أو حزم أو عزم ، فهو أعلم الناس لا محالة ، وأمّا زيادة الإيضاح والبيان والتفرّغ للناس ، فلا يجوز أن تنفكّ عمّن سيق إليه البشر لغاية التفهّم ، وإزاحة الجهل ، لا لمحض البيان وجودة السرد ، لأنّ وضوح البيان بمجرّده غير واف بالغرض ، لارتباك صاحبه عند الجهل بما يقدّم إليه من المعضلات ، كارتباك الأعلم عند التفهيم إذا أعوزه البيان عن الإفهام ، فمن الواجب أن يجتمعا في إنسان واحد هو مرجع الأمّة جمعاء ، وهو قضيّة اللطف الواجب عليه سبحانه ، فذلك الإنسان هو عِدل الكتاب العزيز وهما الثقلان خليفتا النبيّ الأقدس لا يتفرّقان حتى يردا عليه الحوض ، (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (١).
__________________
(١) الكهف : ٢٩.