رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أيضاً ، إذ لم يُرو عن أبي بكر في رزيّة النبيّ الأعظم أكثر من أنّه كشف عن وجه النبيّ وقبّله وهو يبكي وقال : طبت حيّا وميتاً (١) وقد فعل صلىاللهعليهوآلهوسلم أكثر وأكثر من هذا في موت عثمان بن مظعون ؛ فإنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم انكبّ عليه ثلاث مرّات مرّةً بعد أُخرى وقبّله باكياً عليه وعيناه تذرفان والدموع تسيل على وجنتيه وله شهيق (٢) ، وشتّان بين عثمان بن مظعون وبين سيّد البشر روح الخليقة وعلّة العوالم كلّها ، وشتّان بين المصيبتين.
كما يستدعي مقياس الرجل كون عمر بن الخطّاب أشجع من النبيّ الأقدس لحزنه العظيم في موت زينب وبكائه عليها ، وعمر كان يوم ذاك يضرب النسوة الباكيات عليها بالسوط ، كما مرّ في الجزء السادس (ص ١٥٩) ، فضلاً عن عدم تأثّره بتلك الرزيّة.
وعلى هذا الميزان يغدو عثمان بن عفّان أشجع من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لوجده (٣) صلىاللهعليهوآلهوسلم لموت إحدى بنتيه : رقية أو أمّ كلثوم زوجة عثمان ، وبكائه عليها ، وعثمان غير متأثر به ولا بانقطاع صهره من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، غير مشغول بذلك عن مقارفة بعض نسائه في ليلة وفاتها كما في صحيحة أنس (٤).
__________________
(١) صحيح البخاري : ٦ / ٢٨١ [ ٤ / ١٦١٨ ح ٤١٨٧ ] كتاب المغازي ، سيرة ابن هشام : ٤ / ٣٣٤ [ ٤ / ٣٠٦ ] ، طبقات ابن سعد ، طبع مصر ، رقم التسلسل : ٧٨٥ [ ٢ / ٢٦٨ ] ، تاريخ الطبري : ٣ / ١٩٨ [ ٣ / ٢٠١ حوادث سنة ١١ ه ]. (المؤلف)
(٢) سنن البيهقي : ٣ / ٤٠٧ ، حلية الأولياء : ١ / ١٠٥ ، الاستيعاب : ٢ / ٤٩٥ [ القسم الثالث / ١٠٥٥ رقم ١٧٧٩ ] ، أُسد الغابة ٣ / ٣٨٧ [ ٣ / ٦٠٠ رقم ٣٥٨٨ ] ، الإصابة : ٢ / ٤٦٤ [ رقم ٥٤٥٣ ]. (المؤلف)
(٣) أي : لحزنه.
(٤) مستدرك الحاكم : ٤ / ٤٧ [ ٤ / ٥١ ح ٦٨٥٢ ] ، الاستيعاب : ٢ / ٧٤٨ [ القسم الرابع / ١٨٤١ رقم ٣٣٤٣ ] وصحّحه ، الإصابة : ٤ / ٣٠٤ [ رقم ٤٣٠ ] و ٤٨٩ [ رقم ١٤٧٠ ] ، الغدير : ٣ / ٢٤. (المؤلف)