العبادة وفي مقدّمهم سيّدهم مولانا أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام الذي كان في حلك الظلام يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويتأوّه ويتفوّه بما ينمّ عن غاية الخوف والخشية ، وهو قسيم الجنة والنار بنصّ من الرسول الأمين كما مرّ في الجزء الثالث (ص ٢٩٩) ، وكان يُغشى عليه عدّة غشوات في كلّ ليلة ، ولم يشم أحد منه ولا منهم رائحة الكبد المشوي.
ولو اطّرد ما يزعمونه لوجب تكيّف الفضاء من لدن آدم إلى عهد الخليفة بتلك الرائحة المنتشرة من تلكم الأكباد المشويّة ، ولاسودّ وجه الدنيا بذلك الدخان المتصاعد من الأكباد المحترقة.
أيحسب راوي هذه المهزأة أنّ على كبد المختشي ناراً موقدة يعلوها ضرم ، ويتولّد منها دخان؟ فلِمَ لم تُحرق ما في الحشا كلّه ويكون إنضاجها مقصوراً على الكبد فحسب؟ وهل للكبد حال المعذّبين الذي كلّما نضجت جلودهم بدّلوا جلوداً أخرى؟ وإلاّ فالعادة قاضية بفناء الكبد بذلك الحريق المتواصل.
وإن تعجب فعجب بقاء الإنسان بعد فناء كبده ، ولعلّك إذا أحفيت الراوي السؤال عن هذه لأجابك بأنّها كلّها معاجز تخصّ بالخليفة.
وأحسب أنّ صاحب المزاعم من المتطفّلين على موائد العربيّة ؛ فإنّ العربيّ الصميم جدّ عليم بكثير الكناية والاستعارة في لغة الضاد ، فإذا قالوا : إنّ نار الخوف أحرقت فلاناً لا يريدون لهباً متّقداً يصعد منه الدخان أو تشمّ منه رائحة شيّ الأكباد ، وإنّما يعنون لهفةً شديدة ، وحرقةً معنويّة تشبّه بالنيران.
وأمّا ما سرده العبيدي من فلسفة ذلك الحريق في كبد الخليفة فإنّها من الدعاوي الفارغة وفيها الغلوّ الفاحش ، وإن شئت قلت : إنّما هي أوهام لم تقم لها حجّة ، وليس من السهل أن يدعمها ببرهنة يمسكها عن التزحزح ، فهي كالريشة في