وكم وكم لهؤلاء الولاة المذكورين من نظير ، فليس أُسامة ببدع من هؤلاء ، وإنّما هو كأحدهم ، له مالهم وعليه ما عليهم.
فاقتصار الخليفة في الحِجاج بنصب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أسامة في غير محلّه ، إلاّ أن يقيّده بأنّ ما ارتآه صلىاللهعليهوآلهوسلم من المصلحة يوم ذلك باقية بعد من غير حاجة إلى أيّ من القول والفعل اللذين ارتكبهما.
الناحية الثانية : أنّ طلبة الأنصار هذه متّخذه عن عمل الخليفة نفسه وصاحبيه ، حيث قدّماه يوم السقيفة بكبر سنّه وشيبته كما مرّ في صفحة (٩١ ، ٩٢) فلا غضاضة على الأنصار إذن أن يتحرّوا للإمارة عليهم من هو أقدم سنّا من أُسامة تأسّيا بالخلافة.
وإذا كان تولية الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أُسامة للقيادة مانعة عن نزعه فما بال منصوبه صلىاللهعليهوآلهوسلم للخلافة يوم غدير خمّ بمشهد من مائة ألف أو يزيدون ، وفي مواقف أُخرى متكثّرة يعزل عن الأمر؟ ولا منكر يصاخ إليه ، ولا وازع يسمع منه ، هب أنّ قيساً أخذ بلحية عمر يوم ذاك كما أخذ بها أبو بكر يوم أُسامة ، واحتجّ آخرون لأمير المؤمنين عليهالسلام واحتدم الحوار ، لكن : لا رأي لمن لا يطاع.
نعم ، أخرج ابن حبّان (١) في خلق الخليفة من طريق إسماعيل بن محمد الكذّاب الوضّاع مرفوعاً عن جبرئيل أنّه قال : أبو بكر لفي السماء أشهر منه في الأرض ، فإنّ الملائكة لتسمّيه حليم قريش. انتهى. وقد أسلفناه في الجزء الخامس (ص ٣٤٤) وبينّا هناك بأنه كذب موضوع.
ولو كان الخليفة حليم قريش أو كان يرث النبيّ الأعظم شيئاً في خلقه العظيم ؛ لما توفّيت بضعته الطاهرة سلام الله عليها وهي واجدة علية من جرّاء ما تلقّت منه من
__________________
(١) كتاب المجروحين : ١ / ١٣١.