وأنّهم لما ذا استقرّت آراؤهم بعد تقدّم العلم واستفحال أمره وكثرة اكتشافاته على دوران الأرض على الشمس.
وتُعلمنا الرواية عن أنّ البخار لم يكن مستخدماً عند إنشاء تلك العجلة فيمدّها الله سبحانه به حتى لا يشعر بإرادة مريد ، ولا حياء من يستحي ، فيمضي بالعجلة ويوصلها في أسرع وقت إلى حيث شِيءَ لها قدما ، ولكنّ العجب أنّ الله سبحانه لم يستبدل الملائكة بالبخار بعد اكتشافه فيطلق سراح أولئك الآلاف المؤلّفة المقيّدة بسلاسل بلاء العجلة ، ويعتقهم من مكابدة تمرّد الشمس في كلّ يوم!
وهناك مسألة لا أدري من المجيب عنها وهي : أنّ إرادة الله سبحانه الفائقة على كلّ قوّة جامحة وهي تمسك السماء بغير عمد ترونها ، وتسيّر الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السحاب ، صنع الله الذي أتقن كلّ شيء ، لِمَ لم تقم مقام أولئك المسخّرين لجرّ الشمس حتى لا يوقفها تمرّد ، ولا تحتاج إلى عرى وسلاسل ، أو الإقسام بمن كتب اسمه عليها؟ وما الذي أحوج المولى سبحانه في تسيير الشمس إلى هذه الأدوات من العجلة والعرى والسلاسل ، وخلق أولئك الجمّ الغفير من الملائكة واستخدامهم بالجرّ الثقيل ، وهو الذي إذا أراد شيئاً أن يكون يقول له كن فيكون؟
ثمّ إنّ الشمس هلاّ كانت تعلم أنّ إرادة الله سبحانه ماضية عليها بجريها إلى الغاية المقصودة؟ فما هذا التوقّف والتمرّد؟ والله تعالى أعلم بعظمة الكعبة وشرفها منها وقد جعلها في خطّة سيرها. أنّى للشمس أن تجهل بها ، وهي هي الشاعرة بخطّ الاستواء ، ومحاذاة الكعبة ووصولها إلى تلك النقطة المقدّسة ، وهي العارفة بمقامات الصدّيق ، وأنّ اسمه منقوش عليها ، وأنّ من واجبها أن تنقاد ولا تجمح على من أقسم به عليها.
ومن عويصات لا تنحلّ : تجديد الشمس تمرّدها كلّ يوم (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (١) (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا
__________________
(١) يس : ٣٨.