القول مخالف لقول عظماء الأمّة. وقال الطبري (١) : هذا لا وجه له لأنّه من المعلوم أنّ إبراهيم لم يسمّ هذه الأمّة في القرآن مسلمين.
وقال ابن عبّاس : الله سمّاكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدّمة وفي الذّكر. وكذا قال مجاهد وعطاء والضحّاك والسدي ومقاتل وقتادة وابن مبارك.
وتدلّ على تعيّن هذا القول قراءة أُبيّ بن كعب : (الله سمّاكم المسلمين) كما في تفسير البيضاوي ، (٢ / ١١٢) ، وكشّاف الزمخشري (٢ / ٢٨٦) ، وتفسير الرازي (٦ / ٢١٠) وتفسير ابن جزّي الكلبي (٣ / ٤٧).
واستقرَبه الرازي في تفسيره فقال : لأنّه تعالى قال : (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (٢) فبيّن أنّه سمّاهم بذلك لهذا الغرض وهذا لا يليق إلاّ بالله.
واستصوبه ابن كثير في تفسيره (٣ / ٢٣٦) وقال : لأنّه تعالى قال : (هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ثمّ حثّهم وأغراهم على ما جاء به الرسول صلوات الله عليه بأنّه ملّة أبيهم الخليل ، ثمّ ذكر منّته تعالى على هذه الأمّة بما نوّه به من ذكرها والثناء عليها في سالف الدهر وقديم الزمان في كتب الأنبياء يُتلى على الأحبار والرهبان فقال : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ). أي من قبل هذا القرآن. (وَفِي هذا).
وبهذا تعرف قيمة ما حسبه المتفلسف من أنّ تنزيل إبراهيم منزلة الأب للمسلمين لمحض التسمية فإنّه ممّا لا يُقام له وزن وإلاّ لوجب اتّخاذ من سمّى أحداً باسمٍ أباً تنزيليّا ، ومن المعلوم بطلانه ، وإنّما سمّاه الله أباً للمسلمين لأنّه عليهالسلام أب الرسول الأمين ، وأنّ قريشاً من ذريّته ، وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم أبو الأمّة ، وأمّته في حكم أولاده ،
__________________
(١) جامع البيان : مج ١٠ / ج ١٧ / ص ٢٠٨.
(٢) الحج : ٧٨.