قال الأميني : ما أنزل الدهر نبيّ الإسلام حتى قيل : إنّه شابّ لا يُعرف. كأنّه غلام نكرة اتّخذه شيخ انتشر صوته كصيته بين الناس دليلاً في مسيره يرتدفه تارة ويمشّيه بين يديه أخرى ، ومهما سئل عنه يقول : هذا يهديني الطريق وهو أعرف به منّي ، كأنّ نبي الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن ذلك الذي كان يعرض نفسه على القبائل في كلّ موسم فعرفوه على بَكرة أبيهم من آمن منهم ومن لم يؤمن ، خصوصاً الأنصار المدنيين منهم وفيهم رجال الأوس والخزرج ، وقد بايعوه عند العقبة الأولى مرة ، وبايعه منهم مرّة ثانية عند العقبة ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان.
وكأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن ذلك الذي أمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة قبله ، وكان بتلك الهجرة غلّقت أبواب ، وخلت دور أُناس من السكنى وهاجر أهلها رجالاً ونساءً وكان في مقدّم المهاجرين ما يناهز ستّين رجلاً ، فلم يبق في مكة المعظّمة من أسلم معه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلاّ أمير المؤمنين وأبو بكر وكأنّ المدينة ليست بدار بني النجّار وهم خؤولة النبيّ الأقدس.
وكأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن الذي اتّخذ المدينة قاعدة ملكه ، وعاصمة حكومته ، ومعسكر نهضته ، فبثّ فيها رجاله وخاصّته من أهلها ومن المهاجرين ، فكانوا يرقبون مقدمه الشريف في كلّ حين حتى إذا وافوه مقبلاً عليهم استقبلوه بقضّهم وقضيضهم وفيهم أهل البيعتين ومن تقدّمه من المهاجرين وكلّهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، وأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم مكث في قباء عند بني عمرو بن عوف أيّاماً وليالي حتى أسّس مسجده الشريف فيها ، فعرفه كلّ من في قباء ممّن لم يكن يعرفه قبل من رجال الأوس والخزرج ، واتّصل به كلّ من قدمها من المدينة فعرفوه جميعاً ، وقد صلّى الجمعة في قباء وفي بطن الوادي وادي رانونا وائتمّ به من حضر من المسلمين عامّة.
وبقضاء من الطبيعة أنّ الناس عند التطلّع إلى رؤيته صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يومي إليه كلّ عارف ، ويسأل عنه كلّ جاهل ، ويتقدّم المبايعون إلى التعرّف به والتزلّف إليه ، فلا