يبقى في المجتمع جاهل به حتى يسأل أبا بكر عنه في انتقاله من بني عمرو بقوله : من هذا الغلام بين يديك يا أبا بكر؟
فكأنّ القادم رجل عادي ما دوّخ صيته الأقطار ، ولم يره بشر من ذلك الجمع الحافل ، ولم يحتفل به ذلك الاحتفال ، ولا احتفي به تلك الحفاوة ، وما صعدت ذوات الخدور على الأجاجير (١) وما هزجت الصبيان والولائد بقولهنّ :
طلع البدر علينا |
|
من ثنّيات الوداعِ |
وجب الشكر علينا |
|
ما دعا لله داع |
أيُّها المبعوث فينا |
|
جئت بالأمر المطاعِ |
وكأنّه قدم في صورة منكرة بلا أيّ تقدمة إلى بلد لا يعرفه فيه أحد حتى خصّ السؤال عنه بأبي بكر فحسب.
ثمّ ما هذه التعمية في جواب أبي بكر بقوله : إنّه يهديني السبيل. يريد سبيل السعادة فيحسب الحاسب أنّه يهديه الطريق؟ ألخوف كانت ولم يَرِد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلاّ على العدّة والعدد والمتعة والعزّة ، وقد بايعته الأنصار على التفاني دونه؟ أو كان يخاف أبو بكر قريشاً وهو في حصن الدين المنيع ودرعه الحصينة؟ أم كانت لغير ذلك؟ فاسأل عنه خبيراً. والعجب كلّ العجب أنّ رجلاً هذه سيرته في التقيّة عن الناس في عاصمة الإسلام بين فرسان المهاجرين والأنصار كيف صحّ عنه ما جاء عن ابن مسعود وما روي عن مجاهد مرسلاً من قولهم : إنّ أوّل من أظهر الاسلام سبعة : رسول الله ، وأبو بكر إلى آخره (٢).
__________________
(١) جمع الإجّار بكسر الأول وتشديد الجيم : السطح. (المؤلف)
(٢) تاريخ ابن كثير : ٣ / ٥٨ [ ٣ / ٣٨ ] ، تاريخ ابن عساكر : ٦ / ٤٤٨ [ ٢٤ / ٢٢١ رقم ٢٩٠٥ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١١ / ١١٣ ]. (المؤلف)