على أنّ الحالة كانت تقتضي أن يُسأل كلّ قادم إلى المدينة يوم ذاك عن شخص رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأوان نزوله بها لا عن الغلام بين أيدي أبي بكر.
والعجب أنّ الجهل برسول الله في مزعمة هذا الراوي كان مستمرّا بين مستقبليه ـ وكلّهم نفوسهم نزّاعة إلى عرفانه والتبرّك برؤيته ـ حتى ظلّله أبو بكر بردائه فعرفه الناس عند ذلك.
ومتى كان أبو بكر شيخاً والنبيّ شابّا وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم أكبر منه بسنتين وعدّة أشهر كما يأتي تفصيله إن شاء الله؟ وابن قتيبة أخذ هذا الحديث بظاهره فقال في المعارف (١) (ص ٧٥):
هذا الحديث يدلّ على أنّ أبا بكر كان أسنّ من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بمدّة طويلة ، والمعروف عند أهل الأخبار ما حكيناه. انتهى. وحكى قبل هذا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هو أكبر سنّا من أبي بكر.
نعم ؛ عرف شرّاح البخاري من المتأخّرين موضع الغمز ، فأوّلوا كون أبي بكر شيخاً بظهور الشيب في لحيته ، وكون النبيّ شابّا بسواد كريمته ، والعارف بأساليب الكلام يعلم أنّه تمحّل محض ، وأنّ المفهوم من تلك كما فهمه ابن قتيبة ؛ كون أبي بكر شيخاً ورسول الله شابّا لا غير ذلك. وإلاّ فما معنى قولهم : ما هذا الغلام بين يديك؟ أو : من هذا الغلام بين يديك؟ ومن المعلوم أنّ الغلام لا يطلق على من عمره خمسون سنة تقريباً مهما اسودّ عارضه.
وعلى صحّة هذا التأويل أين المؤوّلون من صحيحة ابن عبّاس ، قال : قال أبو بكر : يا رسول الله قد شبت. قال : «شيّبتني هود والواقعة» الحديث. وروى مثله الحفّاظ عن ابن مسعود ، وفي لفظ أبي جحيفة : قالوا : يا رسول الله نراك قد شبت.
__________________
(١) المعارف : ص ١٧٢.