فقاموا كلّهم وحمل كلّ واحد منهم سيفه. فلمّا أتوها وأرادوا أن يضربوها بالسيوف وقعت الكلبة بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقالت بلسان طَلِق ذَلِق : لا تقتلني يا رسول الله فأني مؤمنة بالله ورسوله ، فقال : ما بالك نهشتِ هذين الرجلين؟ فقالت : يا رسول الله إنّي كلبة من الجنّ مأمورة أن أنهش من سبّ أبا بكر وعمر. فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا هذين أما سمعتما ما تقول الكلبة؟ قالا : نعم يا رسول الله إنّا تائبان إلى الله عزّ وجلّ. عمدة التحقيق للعبيدي المالكي (١) (ص ١٠٥).
قال الأميني : ما أعظم شأن هذه الكلبة وأثبتها في ميدان البسالة حتى استدعى أمرها أن يتجهّز لحربها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ويحمل عليها أصحابه شاهرين السيوف! فهل هي كلبة أو أسد ضارٍ؟ أو عفرنى (٢) باسل؟ أو حَشِد (٣) لُهام؟ وأحسب أنّ اللذين نهشتهما كانا من هيّابة الصحابة ، فإنّ شجعانهم ما كانوا يبالون بالضراغم فضلاً عن الكلاب.
وأين كانت هذه الكلبة عمّن كان ينال من أبي بكر غير الرجلين في ذلك العهد وبعد العهد النبويّ وهلمّ جرّا؟ فلم تُشهد لها نهشة ، ولا سُمع لها عواء ، فليتهيّأ صاحب عمدة التحقيق لتحليل هذه المسائل وذلك بعد الغضّ عن إسناده الموهوم.
ثمّ ما أخرس ألسنة أولئك الصحابة الحضور يوم أطلق الله لسان تلك الكلبة الطلقة الذلقة عن بثّ هذه الفضيلة الرابية؟ ومثلها تتوفّر الدواعي لنقلها ، وما أذهل الحفّاظ وأئمة الحديث وأرباب السير عن روايتها؟ فلا يجدها الباحث في المسانيد والصحاح والفضائل ومعاجم السير وأعلام النبوّة ودلائلها ، إلى أن بشّر بها العبيدي آل الصدّيق بعد لأي من عمر الدهر وقذف بهذه الأكذوبة أنس بن مالك.
__________________
(١) عمدة التحقيق : ص ١٨٢.
(٢) العفرنى : الأسد.
(٣) الحَشِد : الشجاع الذي لا يدع عند نفسه شيئاً من الجهد والنصرة.