وقال : وأمّا الألفاظ المجرّدة فلا وزن لها عند الله ولا ينظر إليها فضلاً عن أن تكون عملا تحطّ به الذنوب والخطايا الثقيلة ، فما في قول القائل : أسألك بحقّ محمد لمّا غفرت لي من الشأن والقيمة؟ حتى يُقال له : وإذ سألتني بحقّه فقد غفرت لك. وأجهل الناس وأرقّهم ديناً وتقوى وفضيلة وأشدّهم بعداً عن الله وعن رضاه يقولون ذلك ، ويلهجون به ، وهم على رغمهم لا يجدر بهم الغفران ولا التجاوز والعفو والرضا بل وهم خليقون بالانتقام والطرد والعذاب الأليم الموجع ، ولن تجديهم هذه المقالة ولا هذا التوسل قليلاً ولا كثيراً ، فنحن لا نشكّ في أنّ آدم ما غفر له ذنبه إلاّ لتوبته ولرجوعه إلى ربّه ولإقلاعه عن ذنبه ، ولاعتذاره واستغفاره الصادرين عن جميع نفسه وقلبه وعقله ، أمّا السؤال بالحقّ فلا قيمة ولا وزن له عند الله البتة. انتهى.
نحن لا نقابل هذا المغفّل المستهتر البذي إلاّ بالسلام ، حذا في هذيانه هذا حذو شيخه ابن تيميّة ، وقد ردّ عليه جمع من أئمّة الحديث وحفّاظه بكلمات ضافية نقتصر منها بكلام السبكي ، قال في شفاء السقام (١) (ص ١٢١) : قال ابن تيميّة : أمّا ما ذكر في قصّة آدم من توسّله فليس له أصل ، ولا نقله أحد من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بإسناد يصلح للاعتماد عليه ولا الاعتبار ولا الاستشهاد. ثمّ ادّعى ابن تيميّة أنّه كذب وأطال الكلام في ذلك جدّا بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرّص ، ولو بلغه أنّ الحاكم صحّحه لما قال ذلك ، أو لتعرّض للجواب عنه ، وكأنّي به إن بلغه بعد ذلك يطعن في عبد الرحمن بن يزيد راوي الحديث ، ونحن نقول : قد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم ، وأيضاً عبد الرحمن بن يزيد لا يبلغ في الضعف إلى الحد الذي ادّعاه ، وكيف يحلّ لمسلم أن يتجاسر على منع هذا الأمر العظيم الذي لا يردّه عقل ولا شرع؟ وقد ورد فيه هذا الحديث ، وأمّا ما ورد من توسّل نوح وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء فذكره المفسّرون واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له ، ولا فرق في هذا المعنى بين أن
__________________
(١) شفاء السقام : ص ١٦٢.