قال : كان أبو طالب بن عبد المطّلب لا يغيب صباح النبيّ ولا مساءه ، ويحرسه من أعدائه ويخاف أن يغتالوه ، فلمّا كان ذات يوم فقده فلم يره ، وجاء المساء فلم يره ، وأصبح الصباح فطلبه في مظانّه فلم يجده فلزم أحشاءه ، وقال : وا ولداه ، وجمع عبيده ومن يلزمه في نفسه فقال لهم : إنّ محمداً قد فقدته في أمسنا ويومنا هذا ولا أظنّ إلاّ أنّ قريشاً قد اغتالته وكادته ، وقد بقي هذا الوجه ما جئته ، وبعيد أن يكون فيه. واختار من عبيده عشرين رجلاً ، فقال : امضوا وأعدّوا سكاكين وليمض كلّ رجل منكم وليجلس إلى جنب سيّد من سادات قريش ، فان أتيت ومحمد معي فلا تُحدثُنّ أمراً وكونوا على رسلكم حتى أقف عليكم ، وإن جئت وما محمد معي فليضرب كلّ منكم الرجل الذي إلى جانبه من سادات قريش. فمضوا وشحذوا سكاكينهم حتى رضوها ، ومضى أبو طالب في الوجه الذي أراده ومعه رهطه من قومه فوجده في أسفل مكّة قائماً يصلّي إلى جنب صخرة فوقع عليه وقبّله وأخذ بيده وقال : يا بن أخ قد كدت أن تأتي على قومك ، سر معي ، فأخذ بيده وجاء إلى المسجد وقريش في ناديهم جلوس عند الكعبة ، فلمّا رأوه قد جاء ويده في يد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قالوا : هذا أبو طالب قد جاءكم بمحمد إنّ له لشأناً ، فلمّا وقف عليهم والغضب في وجهه قال لعبيده : أبرزوا ما في أيديكم فأبرز كلّ واحد منهم ما في يده. فلمّا رأوا السكاكين قالوا : ما هذا يا أبا طالب؟ قال : ما ترون ؛ إنِّي طلبت محمداً فلم أره منذ يومين فخفت أن تكونوا كدتموه ببعض شأنكم ، فأمرت هؤلاء أن يجلسوا حيث ترون وقلت لهم : إن جئت وليس محمد معي فليضرب كلّ منكم صاحبه الذي إلى جنبه ولا يستأذنّي فيه ، ولو كان هاشميّا ، فقالوا : وهل كنت فاعلاً؟ فقال : أي وربّ هذه وأومى إلى الكعبة ، فقال له المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وكان من أحلافه : لقد كدت تأتي على قومك؟ قال هو ذلك. ومضى به وهو يقول :
اذهب بُنيَّ فما عليك غضاضةٌ |
|
اذهب وقرَّ بذاك منك عيونا |