البغي والعقوق ففيهما هلكة القرون قبلكم ، أجيبوا الداعي ، وأعطوا السائل فإنّ فيهما شرف الحياة والممات ، وعليكم بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، فإنّ فيهما محبّة في الخاصّ ، ومكرمة في العام.
وإنّي أوصيكم بمحمد خيراً فإنّه الأمين في قريش ، والصدّيق في العرب ، وهو الجامع لكلّ ما أوصيتكم به ، وقد جاءنا بأمر قَبِله الجنان ، وأنكره اللسان مخافة الشنآن ، وايم الله كأنّي أنظر إلى صعاليك العرب وأهل الأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته ، وصدّقوا كلمته ، وعظّموا أمره ، فخاض بهم غمرات الموت ، وصارت رؤساء قريش وصناديدها أذناباً ، ودورها خراباً ، وضعفاؤها أرباباً ، وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه ، وأبعدهم منه أحظاهم عنده ، قد محضته العرب ودادها ، وأصفت له فؤادها ، وأعطته قيادها ، دونكم يا معشر قريش ابن أبيكم ، كونوا له ولاةً ولحزبه حماةً ، والله لا يسلك أحد سبيله إلاّ رَشَد ، ولا يأخذ أحد بهديه إلاّ سَعد ، ولو كان لنفسي مدّة ، وفي أجلي تأخير ، لكففت عنه الهزاهز ، ولدافعت عنه الدواهي.
الروض الأُنف (١ / ٢٥٩) ، المواهب (١ / ٧٢) ، تاريخ الخميس (١ / ٣٣٩) ، ثمرات الأوراق هامش المستطرف (٢ / ٩) ، بلوغ الإرب (١ / ٣٢٧) ، السيرة الحلبيّة (١ / ٣٧٥) السيرة لزيني دحلان هامش الحلبيّة (١ / ٩٣) ، أسنى المطالب (ص ٥) (١).
قال الأميني : في هذه الوصيّة الطافحة بالإيمان والرشاد دلالة واضحة على أنّه عليهالسلام إنّما أرجأ تصديقه باللسان إلى هذه الآونة التي يئس فيها من الحياة حذار شنآن قومه المستتبع لانثيالهم عنه ، المؤدي إلى ضعف المُنّة (٢) وتفكّك القوى ، فلا يتسنّى له حينئذ الذبّ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وإن كان الإيمان به مستقرّا في الجنان من
__________________
(١) الروض الأُنف : ٤ / ٣٠ ، المواهب اللدنيّة : ١ / ٢٦٥ ، تاريخ الخميس : ١ / ٣٠٠ ، ثمرات الأوراق : ص ٢٩٤ ، السيرة الحلبيّة : ١ / ٣٥٢ ، السيرة النبويّة : ١ / ٤٥ ، أسنى المطالب : ص ١١.
(٢) المُنّة : القوّة.