أبو طالب حتى أعطى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من نفسه الرضا».
وذكر أبو الفداء والشعراني عن ابن عبّاس : أنّ أبا طالب لمّا اشتدّ مرضه قال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا عمّ قلها استحلّ لك بها الشفاعة يوم القيامة يعني الشهادة ، فقال له أبو طالب : يا بن أخي لو لا مخافة السبّة وأن تظنّ قريش إنّما قلتها جزعاً من الموت لقلتها. فلمّا تقارب من أبي طالب الموت جعل يحرّك شفتيه فأصغى إليه العبّاس بإذنه وقال : والله يا بن أخي لقد قال الكلمة التي أمرته أن يقولها. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الحمد لله الذي هداك يا عمّ (١).
وقال السيّد أحمد زيني دحلان في السيرة الحلبيّة (٢) (١ / ٩٤) : نقل الشيخ السحيمي في شرحه على شرح جوهرة التوحيد عن الإمام الشعراني والسبكي وجماعة أنّ ذلك الحديث ـ أعني حديث العبّاس ـ ثبت عند بعض أهل الكشف وصحّ عندهم إسلامه.
قال الأميني : ذكرنا هذا الحديث مجاراة للقوم ، وإلاّ فما كانت حاجة أبي طالب مسيسة عند الموت إلى التلفّظ بتينك الكلمتين اللتين كرّس حياته الثمينة للهتاف بمفادهما في شعره ونثره ، والدعوة إليهما ، والذبّ عمّن صدع بهما ، ومعاناة الأهوال دونهما حتى يومه الأخير. ما كانت حاجة أبي طالب مسيسة عندئذ إلى التفوّه بهما كأمر مستجدّ ، فمتى كفر هو؟ ومتى ضلّ؟ حتى يؤمن ويهتدي بهما ، أليس من الشهادة قوله الذي أسلفناه (ص ٣٣١):
ليعلمْ خيارُ الناسِ أنّ محمداً |
|
وزيرٌ لموسى والمسيحِ ابن مريم |
أتانا بهديٍ مثل ما أتيا به |
|
فكلّ بأمرِ اللهِ يهدي ويعصم |
وإنّكمُ تتلونه في كتابكم |
|
بصدق حديثٍ لا حديث مبرجمِ |
__________________
(١) تاريخ أبي الفداء : ١ / ١٢٠ ، كشف الغمّة للشعراني : ٢ / ١٤٤. (المؤلف)
(٢) السيرة النبوية : ١ / ٤٦.