طالب لم يسبقه إليه أحد فجزاه الله أفضل الجزاء ، ومسلكه هذا الذي سلكه يرتضيه كلّ من كان متّصفاً بالإنصاف من أهل الإيمان ، لأنّه ليس فيه إبطال شيء من النصوص ولا تضعيف لها ، وغاية ما فيه أنّه حملها على معانٍ مستحسنة يزول بها الإشكال ويرتفع الجدال ، ويحصل بذلك قرّة عين النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والسلامة من الوقوع في تنقيص أبي طالب أو بغضه ، فإنّ ذلك يؤذي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (١) وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢).
وقد ذكر الإمام أحمد بن الحسين الموصلي الحنفي المشهور بابن وحشي في شرحه على الكتاب المسمّى بشهاب الأخبار للعلاّمة محمد بن سلامة القضاعي المتوفّى (٤٥٤) : أنّ بغض أبي طالب كفر. ونصّ على ذلك أيضاً من أئمّة المالكيّة العلاّمة عليّ الأجهوري في فتاويه ، والتلمساني في حاشيته على الشفاء ، فقال عند ذكر أبي طالب : لا ينبغي أن يذكر إلاّ بحماية النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنّه حماه ونصره بقوله وفعله ، وفي ذكره بمكروه أذيّة للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ومؤذي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كافر ، والكافر يقتل ، وقال أبو طاهر : من أبغض أبا طالب فهو كافر.
وممّا يؤيّد هذا التحقيق الذي حقّقه العلاّمة البرزنجي في نجاة أبي طالب أنّ كثيراً من العلماء المحقّقين وكثيراً من الأولياء العارفين أرباب الكشف قالوا بنجاة أبي طالب ، منهم : القرطبي والسبكي والشعراني وخلائق كثيرون ، وقالوا : هذا الذي نعتقده وندين الله به ، وإن كان ثبوت ذلك عندهم بطريق غير الطريق الذي سلكه البرزنجي ، فقد اتّفق معهم على القول بنجاته ، فقول هؤلاء الأئمّة بنجاته أسلم للعبد عند الله تعالى لا سيّما مع قيام هذه الدلائل والبراهين التي أثبتها العلاّمة البرزنجي. انتهى.
__________________
(١) الأحزاب : ٥٧.
(٢) التوبة : ٦١.