٦ ـ وقيل أيضا : إنّ المصدر الأساس لتكوين المني هو النخاع الشوكي الواقع في ظهر الإنسان ، ثمّ القلب والكبد ، فالأوّل يقع تحت أضلاع الصدر ، والآخر بين المكانين المذكورين ، وعلى هذا الأساس قالت الآية : (مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ).
ويكفينا الرجوع إلى الآيات المبحوثة لدفع الغموض الحاصل ، فالآيات تشير إلى ماء الرجل دون المرأة ، بقرينة «ماء دافق» ، وهذا لا يصدق إلّا على الرجل ، وعليه يعود الضمير في «يخرج».
وعليه ، فينبغي إخراج المرأة من هذه الدائرة ، ليكون البحث منصبا على الرجل فقط ، وهو المشار إليه في الآية.
و «الصلب والترائب» هما ظهر الرجل وقسمه الأمامي ، لأنّ ماء الرجل إنّما يخرج من هاتين المنطقتين (١).
وهذا التّفسير واضح ، خال من أيّ تكلف ، ينسجم مع ما ورد في كتب اللغة بخصوص المصطلحين.
كما ويمكن أن تكون الآية قد أشارت إلى حقيقة علمية مهمّة لم يتوصل إلى اكتشافها بعد ، وربّما المستقبل سيكشف ما لم يكن بالحسبان.
ونصل مع القرآن إلى نتيجة ما تقدم من الذكر الحكيم : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ).
فالإنسان ترابا قبل أن يكون نطفة ، ثمّ مرّ بمراحل عديدة مدهشة حتى أصبح إنسانا كاملا ، وليس من الصعوبة بحال على الخالق أن يعيد حياة الإنسان بعد أن نخرت عظامه وصار ترابا ، فالذي خلقه من التراب أوّل مرّة قادر على إعادته مرّة اخرى.
__________________
(١) عند ما تتحدث الآيات القرآنية الاخرى عن خلق الإنسان ، فإنّها غالبا ما تشير إلى نطفة الرجل ، باعتبارها أمرا محسوسا (راجع الآية ٤٦ من سورة النجم ، والآية ٣٧ من سورة القيامة).