وحقّا ، فلو لا توفيق الله وتيسيره للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لما أمكنه من التغلب على كل تلك المشاكل والصعاب التي واجهته في حياته الرسالية ، وحياته الشريفة تنطق بذلك.
فنراه بسيطا في لباسه ، قنوعا في طعامه ، متواضعا في ركوبه ، وتارة ينام على الفراش واخرى على التراب بل وعلى رمال الصحراء أيضا.
فليس في حياته الشريفة أيّ تكلف ، ولا أدنى تشريف من التشريفات الزائفة الواهية المحيطة بزعماء ورؤساء أيّ قوم أو أمّه.
وبعد أن تبيّن الآيات العناية الرّبانية للنّبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، تنتقل إلى بيان مهمته الرئيسية : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى).
قيل : الإشارة هنا إلى أنّ التذكير بحدّ ذاته نافع ، وقليل أولئك من الذين لا ينتفعون به ، والحد الأدنى للتذكير هو إتمام الحجّة على المنكرين ، وهذا بنفسه نفع عظيم (١).
ولكن ثمّة من يعتقد أنّ في الآية محذوف ، والتقدير : (فذكّر إن نفعت الذكرى أو لم تنفع) ، وهذا يشبه ما جاء في الآية (١٨) من سورة النحل : (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) ، فذكر «الحر» وأضمر (البرد) لوضوحه بقرينة المقابلة.
وهناك من يؤكّد على أنّ الجملة الشرطية في الآية ، لها مفهوم ، والمراد : أنّه يجب عليك التذكير إذا كان نافعا ، فإن لم يكن نافعا فلا يجب.
وقيل : «إن» : ـ في الآية ـ ليست شرطية ، وجاءت بمعنى (قد) للتأكيد والتحقيق ، فيكون مراد الآية : (ذكر فإنّ الذكرى مفيدة ونافعة).
ويبدو لنا أنّ التّفسير الأوّل مرجح على بقية التّفاسير الثّلاث ، بقرينة سلوك
__________________
(١) وما في الآية بخلاف ما جاء في الآية (٦) من سورة البقرة : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ، لأنّها تختص بفئة قليلة من النّاس ، وإلّا فأكثر النّاس يتأثرون بالبلاغ المبين ، وإن كانوا بدرجات متفاوتة ، وعليه .. فالجملة الشرطية في الآية المبحوثة من قبيل القيد بالغالب الأعم.