أي ، إنّهم لو كانوا يعتقدون بالبعث والحساب : وأنّ أعمالهم مسجلة وستعرض كاملة في محكمة العدل الإلهي بخيرها وشرّها ، وكبيرها وحقيرها ، لو كانوا يعتقدون ذلك ، لما ظلموا أحدا ، ولأعطوا النّاس حقوقهم كاملة.
وقد اعتبر كثير من المفسّرين : إنّ «الظن» الوارد في الآية من «يظن» بمعنى (اليقين) : كما هو في الآية (٢٤٩) من سورة البقرة : (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) ، وهذه الآية كانت تتحدث عن المراحل المختلفة لإيمان واستقامة بعض بني إسرائيل.
وممّا يشهد على ما ذكر أيضا ، ما روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام في تفسير الآية : (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) ، أنّه قال : «أليس يوقنون أنّهم مبعوثون»؟ (١)
وروي عنه عليهالسلام أيضا ، أنّه قال : «الظن ظنان ، ظنّ شك وظنّ يقين ، فما كان من أمر المعاد من الظنّ فهو ظنّ يقين ، وما كان من أمر الدّنيا فهو على الشك» (٢).
واحتمل البعض : إنّ «الظنّ» الوارد في الآية ، هو ذات «الظنّ» المتعارف عليه في زماننا ، وهو غير اليقين ، فيكون إشارة إلى أنّ الإيمان بالقيامة يترك أثرا في روح الإنسان ، يجعله يتنزّه عن الوقوع في الذنوب والظلم ، حتى وإن كان ذلك الإيمان بنسبة «الظنّ» .. فكيف به إن كان يقينا؟! ويصطلح العلماء على هذا المعنى ، عنوان (دفع الضرر المظنون) أو (دفع الضرر المحتمل).
فيكون مفهوم الآية ، على ضوء ما ورد : ليس المطففين العاصين لا يملكون اليقين بوجود يوم القيامة ، بل إنّهم لا يظنون بذلك أيضا.
(ويبدو أنّ التّفسير الأوّل أنسب).
و «الظنّ» ـ كما يقول الراغب في مفرداته ـ اسم لما يحصل عن إمارة ، ومتى
__________________
(١) تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٣٨.
(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٢٨.