ثمّ إنّ غمط حقوق اليتامى في ذلك العصر خاصة على يد الأقرباء استدعى التحذير من هذه العقبة بالذات.
وذهب «أبو الفتوح الرازي» إلى أنّ «المقربة» ليست من القرابة ، بل من «القرب» إشارة إلى التصاق بطون الجياع من شدّة الجوع (١). ونستبعد كثيرا هذا المعنى في تفسير الآية.
٥ ـ «المتربة» مصدر ميمي من «ترب» ، وساكن التراب من شدّة فقره هو ذو المتربة ، والتأكيد على هذا النمط من المساكين لأولويتهم أيضا ، إذ إطعام أي مسكين عمل مستحسن.
وروي أنّ الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام إذا أكل أتى بصحفة فتوضع قرب مائدته ، فيعمد إلى أطيب الطعام ممّا يؤتى به فيأخذ من كلّ شيء شيئا فيضع في تلك الصفحة ثمّ يأمر بها للمساكين ، ثمّ يتلو هذه الآية : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ)
ثمّ يقول : «علم الله عزوجل أنّه ليس كلّ إنسان يقدر على عتق رقبة فجعل لهم السبيل إلى الجنّة» (٢).
م ثمّ تواصل الآية التالية بيان طبيعة هذه العقبة ، وسبل اجتيازها فتقول : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ).
فالقادرون على اجتياز هذه العقبة متحلون بالإيمان ومتواصون بالصبر والاستقامة على الطريق ، ومتواصون بالرحمة والعطف.
وبهذا السياق القرآني لبيان طبيعة العقبة نفهم أن القادرين على اجتيازها هم المتحلون بالإيمان والخلق الكريم كالتواصي بالصبر والرحمة ، وذوو أعمال البّر والإحسان كتحرير العبيد وإطعام الأيتام والمساكين ، إنّهم بعبارة أولئك الذين يلجون ميادين الإيمان والأخلاق والعمل ويخرجون منها ظافرين منتصرين.
__________________
(١) تفسير أبي الفتوح الرازي ، ج ١٢ ، ص ٩٦.
(٢) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ٢٩٥ ، نقلا عن الكافي.