العطف بالحرف «ثمّ» لا يعني دائما التأخير الزمني ، أي لا يعني أن عملية الإطعام والإنفاق يجب أن تتقدم على الإيمان ، بل إن هذا الحرف في مثل هذه الموارد ـ كما صرّح بذلك جمع من المفسّرين ـ لبيان علو المرتبة ، إذ من المؤكّد أنّ رتبة الإيمان والتوصية بالصبر والمرحلة أسمى وأعلى من مساعدة المحتاجين ، بل الأعمال الصالحة تنبثق من ذلك الإيمان وتلك الأخلاق ، وكلّ ما يفعله الإنسان تجد جذوره في معتقداته وأخلاقياته.
واحتمل بعضهم أن «ثمّ» تفيد هنا التأخير الزمني ، لأن أعمال الخير قد تكون منطلقا للتوجه نحو الإيمان ، وهي بخاصة ذات تأثير في ترسيخ دعائم الأخلاق ، إذ أن أخلاق الإنسان تبدأ بشكل «فعل» ثمّ تتحول إلى «حالة» ثمّ تتحول إلى «عادة» ثمّ تصبح «ملكة».
والتعبير بكلمة «تواصوا» وتعني تبادل التوصية ، لها دلالة اجتماعية هامّة ، هي إن عملية التواصي بالسير على طريق الحق وبالاستقامة على طاعة الله ومكافحة جموح الأهواء النفسية ، وبالحبّ والرحمة ليست عملية فردية يل يجب أن يتخذ طابعا اجتماعيا عامّا في كلّ المجتمع الإيماني ، وكلّ الأفراد مسئولون أن يوصي بعضهم الآخر بحفظ هذه الأصول. وعن هذا الطريق أيضا تتعمق عرى التلاحم والاجتماعي.
وقال بعضهم إنّ «الصبر» في الآية إشارة إلى توطين النفس على طاعة الله والاهتمام بأوامره ، و «المرحمة» إشارة إلى علاقة الودّ مع النّاس ، ونعلم أن أساس الدين هو تنظيم هذه الرابطة بين العبد وربّه ، وبين الإنسان وأخيه الإنسان.
وفي خاتمة هذه الأوصاف تذكر السّورة مكانة المتحلين بها فتقول : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ).
فصحيفة أعمالهم تسلّم إليهم ، في محضر الله سبحانه وتعالى ، بيدهم اليمنى.
ويحتمل أن تكون «الميمنة» من «اليمن» والبركة ، أي إنّ أصحاب هذه