ولقد ذكرنا آنفا أن القسم في القرآن يستهدف مقصدين :
الأوّل : بيان أهمية ما جاء القسم من أجله.
والثّاني : أهمية ما أقسم به القرآن ، لأنّ القسم عادة يكون بالمهم من الأمور من هنا تعمل هذه الأقسام على تحريك الفكر في الإنسان كي يمعن النظر في هذه الموضوعات الهامّة من عالم الخليقة ، وليتخذ منها سبيلا إلى الله سبحانه وتعالى.
«الشمس» ذات دور هام وبنّاء جدّا في الموجودات الحية على ظهر البسيطة فهي إضافة إلى كونها مصدرا للنور والحرارة ـ وهما عاملان أساسيان في حياة الإنسان ـ تعتبر مصدرا لغيرهما من المظاهر الحياتية ، حركة الرياح ، وهطول الأمطار ، ونمو النباتات ، وجريان الأنهر والشلالات ، بل حتى نشوء مصادر الطاقة مثل النفط والفحم الحجري ... كل واحد منها يرتبط ـ بنظرة دقيقة ـ بنور الشمس.
ولو قدر لهذا المصباح الحياتي أن ينطفئ يوما لساد الظلام والسكوت والموت في كل مكان.
«الضحى» في الأصل انتشار نور الشمس ، وهذا ما يحدث حين يرتفع قرص الشمس عن الأفق ويغمر النور كل مكان ، ثمّ يطلق على تلك البرهة من اليوم اسم «الضحى» ، والقسم بالضحى لأهميته ، لأنّه وقت هيمنة نور الشمس على الأرض.
والقسم الثّالث بالقمر : (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها). وهذا التعبير ـ كما ذهب إلى ذلك جمع من المفسّرين ـ إشارة إلى القمر حين يكتمل ويكون بدرا كاملا في ليلة الرابع عشر من كلّ شهر ، ففي هذه الليلة يطل القمر من أفق المشرق متزامنا مع غروب الشمس. فيسطع بجماله النّير ويهيمن على جوّ السماء ، ولجماله وبهائه في هذه الليلة أكثر من أيّة ليلة اخرى جاء القسم به في الآية الكريمة.
واحتمل بعضهم أن يكون في تعبير الآية إشارة إلى تبعية القمر بشكل دائم للشمس ، واكتساب النور من ذلك المصدر المشعّ ، غير أن عبارة (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) تكون في هذه الحالة قيدا توضيحيا.