«تقهر» من القهر ـ كما يقول الراغب ـ الغلبة مع التحقير ، ولكن تستعمل في كل واحد من المعنيين ، ومعنى التحقير هنا هو المناسب.
وهذا يدل على أنّ هناك مسألة أهم من الإطعام والإنفاق بشأن الأيتام ، وهي اللطف بهم والعطف عليهم وإزالة إحساسهم بالنقص العاطفي ، ولذا جاء في الحديث المعروف عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة تمرّ على يده نور يوم القيامة» (١).
كأنّ الله يخاطب نبيّه قائلا : لقد كنت يتيما أيضا وعانيت من آلام اليتم ، والآن عليك أن تهتم بالأيتام كل اهتمام وأن تروي روحهم الظمأى بحبّك وعطفك.
(وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ).
«نهر» بمعنى ردّ بخشونة ، ولا يستبعد أن تكون مشتركة في المعنى مع «نهر» الماء ، لأنّ النهر يدفع الماء بشدّة.
وفي معنى «السائل» عدّة تفاسير.
الأوّل : أنّه المتجه بالسؤال حول القضايا العلمية والعقائدية والدينية ، والدليل على ذلك هو أنّ هذا الأمر تفريع ممّا جاء في الآية السابقة : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) ، فشكر هذه الهداية الإلهية يقتضي أن تسعى أيّها النّبي في هداية السائلين ، وأن لا تطرد أي طالب للهداية عنك.
والتّفسير الآخر : هو الفقير في المال والمتاع ، والأمر يكون عندئذ ببذل الجهد في هذا المجال ، وبعدم ردّ هذا الفقير السائل يائسا.
والثّالث : أنّ المعنى يشمل الفقير علميا والفقير ماديا ، والأمر بتلبية احتياجات السائل في المجالين ، وهذا المعنى يتناسب مع الهداية الإلهية لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومع إيوائه حين كان يتيما.
__________________
(١) المصدر السابق.