(أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (١).
هذه طبيعة أغلب أفراد البشر ... الأفراد الذين لم يتربوا في مدرسة العقل والوحي ، حين يرون أنفسهم مستغنين غير محتاجين يعمدون إلى الطغيان ، وينسلخون من عبودية الله ، ويرفضون الاعتراف بأحكامه ، ويصمّون أذانهم عن ندائه ، ولا يراعون حقّا ولا عدلا.
لا الإنسان ولا أي مخلوق آخر قادر على أن يستغني ، بل كلّ الموجودات الممكنة بحاجة إلى لطف الله ونعمه ، وإذا انقطع فيضه سبحانه عنها لحظة واحدة ، ففي هذه اللحظة بالذات تفنى بأجمعها ، غير أنّ الإنسان يحسّ خطأ أحيانا أنّه مستغن غير محتاج. والقرآن يشير إلى هذا الإحساس بعبارة دقيقة يقول : (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) لم يقل أن استغنى.
قيل : إنّ المقصود بالإنسان في الآية أبو جهل الذي كان يطغى أمام الدعوة لكن مفهوم الإنسان هنا عام ، وأمثال أبي جهل مصاديق له.
يبدو أنّ الهدف من الآية الفات نظر الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بمنعطفات الطبيعة البشرية كي لا يتوقع قولا سريعا من النّاس لدعوته ، وليعدّ نفسه لإنكار المنكرين ومعارضة الطغاة المستكبرين ، وليعلم أنّ الطريق أمامه وعر مليء بالمصاعب.
ثمّ يأتي التهديد لهؤلاء الطغاة المستكبرين وتقول الآية التالية :
(إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) وهو الذي يعاقب الطغاة على ما اقترفوه ، وكما إنّ رجوع كلّ شيء إليه ، وميراث السماوات والأرض له سبحانه : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢) فكل شيء في البداية منه ، ولا مبرّر للإنسان أن يشعر بالاستغناء ويطغى.
__________________
(١) جملة «أن رآه استغنى» مفعول لأجله ، والتقدير : لأنّ ... والرؤية هنا بمعنى العلم ولذا نصبت مفعولين ، ويحتمل أيضا أن تكون الرؤية هنا حسّية. و «استغنى» تكون عندئذ بمثابة الحال.
(٢) آل عمران ، الآية ١٨٠.