ثمّ تتحدث الآيات التالية عن بعض أعمال الطغاة المغرورين ، مثل صدّهم عباد الله عن السير في طريق الحقّ.
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى).
(عَبْداً إِذا صَلَّى)؟! ألا يستحق مثل هؤلاء عذابا سحيقا؟!
وفي الحديث أن أبا جهل قال : «هل يعفّر محمّد وجهه بين أظهركم (أي هل يسجد محمّد بينكم) قالوا : نعم ، قال : فبالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته. فقيل له : ها هو ذاك يصلّي ، فانطلق ليطأ على رقبته ، فما فاجأهم إلّا وهو ينكص على عقبيه ، ويتقي بيديه. فقالوا : مالك يا أبا الحكم؟! قال : إنّ بيني وبينه خندقا من نار ، وهؤلاء ، وأجنحة. وقال نبيّ الله : والذي نفسي بيده لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضوا عضوا. فأنزل الله سبحانه : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى) إلى آخر السّورة» (١)
حسب هذه الرّواية : الآيات التي نحن بصددها لم تنزل في بداية البعثة ، بل نزلت حين أعلنت الدعوة ، ولذلك قيل إنّ الآيات الخمس الاولى هي التي كانت أوّل ما نزل من الوحي والباقي بعد ذلك بمدّة.
على أي حال ، سبب نزول الآيات لا يمنع من سعة مفهومها.
الآيات التالية تأكيد على نفس المفاهيم.
(أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى)
(أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى).
أي أرأيت إن كان هذا العبد المصلّي على الهدى أو أمر بالتقوى فهل يصح نهيه؟ ألا يستحق من ينهاه النّار؟
__________________
(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥١٥.