لأنّها تسوّد بالدخان) ، ووضع العلامة والإذلال (١).
والأنسب المعنى الأوّل ، وإن كانت الآية تحتمل معاني اخرى أيضا.
وهل حدوث هذا السفع بالناصية في يوم القيامة ، حيث يسحب أبو جهل وأمثاله من مقدمة شعر الرأس إلى جهنم ، أم في الدنيا ، أم في كليهما؟ لا يستبعد أن يكون في كليهما ، والشاهد على ذلك الرّواية التالية :
«لمّا نزلت سورة الرحمن ، علم القرآن ... قال النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لأصحابه : من يقرؤها منكم على رؤوساء قريش؟ فتثاقلوا مخافة أذيتهم ، فقام ابن مسعود وقال : أنا يا رسول الله ، فأجلسه عليهالسلام ، ثمّ قال : من يقرأها عليهم؟ فلم يقم إلّا ابن مسعود ، ثمّ ثالثا كذلك إلى أن أذن له ، وكان عليهالسلام يبقي عليه لما كان يعلم من ضعفه وصغر جثته. ثمّ إنّه وصل إليهم فرآهم مجتمعين حول الكعبة ، فافتتح قراءة السّورة ، فقام أبو جهل فلطمه فشقّ أذنه وأدماه ، فانصرف وعيناه تدمع. فلمّا رآه النّبي عليهالسلام رق قلبه وأطرق رأسه مغموما ، فإذا جبريل عليهالسلام يجيء ضاحكا مستبشرا ، فقال : يا جبريل تضحك وابن مسعود يبكي! فقال : ستعلم.
فلمّا ظهر المسلمون يوم بدر التمس ابن مسعود أن يكون له حظ في المجاهدين ، فأخذ يطالع القتلى : فإذا أبو جهل مصروع يخور ... فصعد على صدره ، فلمّا رآه أبو جهل قال : يا رويعي الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعبا. فقال ابن مسعود : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
فقال أبو جهل : بلغ صاحبك أنّه لم يكن أحد أبغض إليّ منه في حياتي ، ولا أحد أبغض إليّ منه في حال مماتي.
روى أنّه عليهالسلام لما سمع ذلك قال : «فرعوني أشدّ من فرعون موسى
__________________
(١) التّفسير الكبير ، ج ٣٢ ، ص ٢٣.