فإنّه قال آمنت وهو قد زاد عتوا».
ثمّ قال أبو جهل لابن مسعود : اقطع رأسي بسيفي هذا ، لأنّه أحدّ وأقطع. فلمّا قطع رأسه لم يقدر على حمله ، فراح يجرّه على ناصيته إلى رسول الله ، (وبذلك تحقق قوله سبحانه : (لنسفعن بالناصية) في هذه الدنيا أيضا» (١).
«الناصية» : شعر مقدم الرأس ، و (السفع بالناصية) يراد به الإذلال والإرغام ، لأنّ أخذ الشخص بناصيته يفقده كلّ حركة ويجبره على الاستسلام.
«الناصية» تستعمل لمقدمة رأس الأفراد ، وللجزء النفيس من الشيء كأن نقول «ناصية البيت».
ووصف الناصية بأنّها «كاذبة خاطئة» يعني أنّ صاحبها كاذب في أقواله وخاطئ في أعماله ، كما كان أبو جهل.
ولقد وردت بعض الرّوايات الصحيحة بأنّ السّورة ـ عدا المقطع الأوّل منها ـ قد نزلت في أبي جهل إذ مرّ برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يصلي عند المقام فقال (يا محمّد ألم أنهك عن هذا؟ وتوعده فأغلظ له رسول الله وانتهره ...) ولعلها هي التي أخذ فيها رسول الله بخناقه وقال له : (أولى لك ثمّ أولى) فقال : يا محمّد بأي شيء تهددني؟ أما والله وإنّي لأكثر هذا الوادي ناديا) (٢).
وهنا نزلت الآية التالية تقول لأبي جهل : فليدع هذا الجاهل المغرور كل قومه وعشيرته وليستنجد بهم.
(فَلْيَدْعُ نادِيَهُ).
ونحن سندع أيضا زبانية جهنم :
(سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) ليعلم هذا الجاهل الغافل أنّه عاجز عن فعل أي شيء وإنّه
__________________
(١) الفخر الرازي ، ج ٣٢ ، ص ٢٣.
(٢) تفسير في ظلال القرآن ، ج ٦ ، ص ٣٩٤٢ ذيل الآية.