فما فعلته الأرض إنّما كان بوحي ربّها ، وهي لا تتوانى في تنفيذ أمر الرّب.
وعبارة «اوحى» إنّما هي لبيان أنّ حديث الأرض خلاف طبيعتها ، ولا يتيسر ذلك سوى عن طريق الوحي الإلهي.
قيل : إنّ المقصود هو أنّ الله يوحي للأرض أن تخرج أثقالها.
والتّفسير الأوّل أصح وأنسب ، (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ).
«أشتات» جمع «شتّ» ـ على وزن شط ـ وهو المتفرق والمبعثر. أي إنّ النّاس يردون ساحة المحشر متفرقين مبعثرين. وقد يكون التفرق والتبعثر لورود أهل كلّ دين منفصلين عن الآخرين.
أو قد يكون لورود أهل كلّ نقطة من نقاط الأرض بشكل منفصل.
أو قد يكون لورود جماعة بأشكال جميلة مستبشرة ، وجماعة بوجوه عبوسة مكفهرة إلى المحشر.
أو إن كلّ أمّة ترد مع إمامها وقائدها كما في قوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) (١).
أو أنّ يحشر المؤمنون مع المؤمنين والكافرون مع الكافرين.
الجمع بين هذه التفاسير ممكن تماما لأنّ مفهوم الآية واسع.
«يصدر» من الصدور ، وهو خروج الإبل من بركة الماء مجتمعة هائجة وعكسه الورود. وهي هنا كناية عن خروج الأقوام من القبور وورودهم على المحشر للحساب.
ويحتمل أيضا أن يكون صدور النّاس في الآية من المحشر والتوجه نحو مستقرهم في الجنّة أو النّار.
المعنى الأوّل أكثر تناسبا مع الآيات السابقة.
__________________
(١) الاسراء الآية ٧١.