الصَّالِحاتِ) بأنّه المواساة والمساواة للأخوة في الله ، إنّما هو من قبيل بيان المصداق الواضح للآية.
قد تصدر الأعمال الصالحة من أفراد غير مؤمنين ، لكنّها غير متجذرة وغير ثابتة وغير واسعة. لأنّها لا تنطلق من دافع إلهي عميق ، ولا تحمل صفة الشمولية.
القرآن ذكر «الصالحات» هنا بصيغة الجمع مقرونة بالألف واللام لتدل على معنى العموم والشمول. ولتبيّن أن طريق تفادي الخسران الطبيعي الحتمي بعد الإيمان ، هو أداء الأعمال الصالحة جميعا ، وعدم الاكتفاء بعمل واحد أو بضع أعمال صالحات حقّا ، لو رسخ الإيمان في النفس ، لظهرت على الفرد مثل هذه الآثار.
الإيمان ليس فكرة جامدة قابعة في زوايا الذهن ، وليس اعتقادا خاليا من التأثير. الإيمان يصوغ كلّ وجود الإنسان وفق منهج معين.
الإيمان مثل مصباح منير مضيء في غرفة. فهو لا يضيء الغرفة فحسب ، بل إن أشعته تسطع من كلّ نوافذ الغرفة إلى الخارج بحيث يرى كل مار نوره بوضوح.
وهكذا ، حين يسطع مصباح الإيمان في قلب إنسان ، فإنّ نوره ينعكس من لسان الإنسان وعينه وأذنه ويديه ورجليه. حركات كلّ واحدة من هذه الجوارح تشهد على وجود نور في القلب تسطع أشعته إلى الخارج.
ومن هنا اقترن ذكر الصالح في أغلب مواضع القرآن بذكر الإيمان باعتبارها لازما وملزوما. فقال سبحانه : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) (١). ويقول تعالى عن أولئك الذين تركوا الدنيا دون عمل صالح ، إنّهم يصرون على العودة إلى الدنيا ويقولون : (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) (٢).
__________________
(١) النحل ، الآية ٩٧.
(٢) المؤمنون ، الآية ١٠٠.