عمدوا إلى التآمر الخفي على المسلمين ، ثمّ بعد وفاة النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خلقوا أحداثا مؤلمة لا ينساها لهم تاريخ الإسلام أبدا. ونعلم أنّ بني امية وبني العباس الذين أقاموا حكومة الجبابرة والطواغيت كانوا من قريش.
القرائن التاريخية تشير إلى أنّ هذه القبيلة كانت في الجاهلية أيضا تستثمر النّاس وتستغلهم. ولذلك وجدت في الإسلام خطرا على مصالحها لدعوته إلى تحرير الإنسان ، وشنت عليه حربا لا هوادة فيها ، إلى أن اندحرت أمام قدرة الإسلام.
(إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) (١).
مكّة تقع في واد غير ذي زرع ، والرعي فيها قليل ، لذلك كانت عائدات أهل مكّة غالبا من قوافل التجارة ، في فصل الشتاء يتجهون إلى أرض اليمن في الجنوب حيث الهواء معتدل ، وفي فصل الصيف إلى أرض الشام في الشمال حيث الجوّ لطيف. والشام واليمن كانا من مراكز التجارة آنئذ ، ومكّة والمدينة حلقتا اتصال بينهما.
هذه هي رحلة الشتاء ... ورحلة الصيف.
والمقصود ب «إيلافهم» في الآية أعلاه قد يكون جعلهم يألفون الأرض المقدّسة خلال رحلاتهم وينشدّون إليها لما فيها من آمن ، كي لا تغريهم أرض اليمن والشام ، فيسكنون فيها ويهجرون مكّة.
وقد يكون المقصود إيجاد الألفة بينهم وبين سائر القبائل طوال مدّة الرحلتين ، لأنّ النّاس بدأوا ينظرون إلى قوافل قريش باحترام ويعيرونها أهمية
__________________
(١) «إيلافهم» بدل من في الآية السابقة ، و (هم) مفعول أوّل ، و (رحلة الشتاء) مفعول ثان ، وقيل أنّه ظرف ، وقيل منصوب بنزع الخافض ، أي إيلافهم من رحلة الشتاء والصيف (يبدو أن المعنى الثّاني والثّالث أنسب). «رحلة» في الأصل من «رحل» ـ على زنة شهر ـ بمعنى الغطاء الذي يغطي به ظهر الدابة لركوبها ، ثمّ أطلقت على الإبل أو السفر بواسطته أو بوسائط اخرى.