يثق الإمام بما بذلا حتى أرسلا جماعة من ثقاتهما إليه ، ليوجبوا عليه الحجّة وسألوه أن يرسل إليهم من ثقاته من يستحلفهم على ما أعطوه ، فوجه إليهم نفرا من أصحابه لذلك ، وبعد أن أخذوا عليهم العهود والمواثيق ، عادوا إليه ، ولما صحّ له ما أعطوه من أنفسهم أرسل الصوارخ في خولان فاجتمع إليه منهم عسكر كثير.
ووجه ابنه أبا القاسم إلى خيوان ، وأمره أن يكون على أهبة ، فإذا جاءته كتب من زبيد سار لحرب القرامطة ، إلى صنعاء بهمدان ، ومن قدر على جمعه من غيرهم ، وعزم الإمام بمن معه نحو تهامة حتى وصل إلى شرس (١) ، فكتب إليه الحكمي أن يصير إلى محل يقال له طرطر (٢) ، وبذلك المحل تلقّته رسل الحكمي بالغنم والبقر والطعام والعلف ونحو ذلك ، نزلا له ولأصحابه ، وبلغه ان جميع ذلك اخذ على الرعية ، وانه كما قيل (جدح جوين من سويق غيره) (٣) فأرسل الإمام إلى أهل القرية ، ورد عليهم ما أخذ منهم وأخبرهم ان ذلك لا يحل له ولا يستجيزه ، ولما علم الحكمي بما كان سقط في يده وندم على استدعائه الإمام ، ورجع القهقرى ، وكشّر للإمام عن نابه وجمع جموعه لمحاربته فالتقى الفريقان ، والتحم القتال بينهما فكانت الدائرة على الحكمي ، وعلى الباغي تدور الدوائر (٤).
وفيها قتل ابراهيم بن خلف مولى آل طريف وقد ذكرنا هربه من صنعاء
__________________
(١) شرس : بلدة اسفل مدينة حجة.
(٢) واد قريب من حرش وصعدة (صفة جزير العربي ص ٢٣٥).
(٣) انظر هذا المثل في مجمع الأمثال للميداني ص ١٤٠ والمستقصي ج ٢ ص ٤٩.
(٤) الى هنا انتهت أنباء هذه الحادثة ولم نعثر على ما تم فيها بعد ، فإن المرجع الذي استقينا منه اخبار الإمام الهادي عليه السلام هو كتاب سيرته لمؤلفه علي بن محمد بن عبيد الله العباسي ، وقد جعل في النسخة التي لدينا بياضا ، وزعم أنه كذلك بالأم المنقول عنها ، ثم راجعنا عدة نسخ من السيرة ، فوجدناهن كذلك فعدلنا إلى انباء الزمن واللآلىء المضيئة ، فلم نجد ما يدل على انهما وجدا غير ما وجدناه باعتبار سياق الحوادث بعد حادث شرس فتأمل. (ص) انظر سيرة الهادي ص ٢٩٦.