هاجم ابن حميد ومعه بنو الحرث قرية الهجر وغدر بنو عبد المدان وفي ذلك يقول ابو جعفر رحمه الله (١) :
غدرتم يا بني عبد المدان |
|
وكان الغدر من شيم الجبان |
حلفتم لي بإيمان غلاظ |
|
تخرّ لها الصّخور مع القنان |
بانكم على نصري حراص |
|
غداة الرّوع في وهج الطعان |
فلم توفوا بعهدكم وكنتم |
|
شرارا يا بني عبد المدان |
بقي ابو جعفر في نفر قليل من خلص انصاره بقلوب يغمرها الإيمان بالله والرّضا بحكمه ، وقد أحاط بهم العدو من كل جهة ، ولم يبق أمامهم غير الفرار أو الموت (وهما أمران أحلاهما مرّ).
أبوا أن يفرّوا والقنا في نحورهم |
|
ولم يرتقوا من خشية الموت سلّما |
ولو أنهم فرّوا لكانوا أعزة |
|
ولكن رأوا صبرا على الموت أحزما |
وقد أشار عليه بعض أصحابه بالرّكوب فقال لهم : ليس هذا الوقت وقت ركوب ، ولكن أنزلوا معنا نجالد القوم عن أنفسنا وحرمنا ، حتى يحكم الله بيننا وبين عدوّنا ، وهو خير الحاكمين. ومضى قدما بنفس هاشة ، ووجه طلق يهزأ بالخطوب ، ويحتقر الموت ولسان حاله تتمثل :
ردي حياض الرّدى يا نفس واتركي |
|
حياض خوف الردى للشاء والنعم |
ان لم اذرك على الأرماح سائلة |
|
فلا دعيت ابن أم المجد والكرم |
وبعد عراك شديد تحصن ومن بقي من أصحابه بالدار التي كان فيها الإمام الهادي ، وجعلوا يجالدون القوم ويدافعون دفاع الليوث عن اشبالها ، حتى اقتحموا عليهم الدار من جميع جهاتها ، ورموهم بالنار والحجارة فلم يؤثر ذلك في نفوسهم ، وجعلوا يبرزون للقوم الرجل بعد الرجل ، فاذا ما قتل الأول سد مسده الآخر ، حتى أفضت النوبة إلى أميرهم البطل الأروع ،
__________________
(١) الأبيات في سيرة الهادي ص ٣٧١.