فكانت معركة شديدة ثاروا عليه من كل جانب ، وهو ثابت كأنه خنذيذة (١) من جبل يفلّ شبأ عدوانهم ، بمن يرديه من أبطالهم فتلاءمت تلك الجموع وتلاحمت وقالت : انه الذّل والعار ، رجل واحد أشجاكم ، وبلغ مكروهكم وقتل رجالكم أجمعوا عليه ، ثم احملوا عليه حملة رجل واحد ، ففعلوا ، فلقيهم ذوي البيت ، ثم حمل عليهم وحملوا عليه ، ولم يزل يصاولهم حتى أعياهم ، فكمن له رجل وراء الباب وضربه في قفاه فسقط بينهم فحملوا عليه ووضعوا فيه سيوفهم فقطعوه واخذوا سلبه رحمه الله ورضي عنه :
فتى مات بين الضرب والطّعن ميتة |
|
تقوم مقام النصر إن فاته النّصر |
وما مات حتى مات مضرب سيفه |
|
من الضرب واعتلت عليه القنا السمر |
وقد كان قوت الموت سهلا فردّه |
|
إليه الحفاظ المرّ والخلق الوعر |
ثم احتزوا رأسه وكان يرتجز الذي اجتز رأسه ويقول (٢) :
شيخ لشيخ وصبي لصبي |
|
شفيت نفسي منك يا نسل علي |
فلا أبالي بعدها ما حلّ بي |
|
من سخط الله ومن لعن النّبي |
وطافوا به في بلدانهم وصلبوه على خشبة بقرية الهجر ، وأخذوا جثته وجثث أصحابه رحمهم الله ، والقوها في سطح الدّار التي قتلوا فيها ، وجعلوا يطؤونهم بحوافر خيولهم وعملوا بهم من ضروب التمثيل ما برهن عن تجردهم من كل عاطفة بشرية وانسلاخهم من كل معاني الانسانية ، ولم يكتفوا بما اجترموه من عار الغدر ونكث العهود وذل القسوة في التمثيل بقتلاهم ، حتى تجاوزوا ذلك واقترفوا أعظم جريمة ، وأشنع جريرة تتحاماها الجاهلية والاسلام ، وينكرها الخلق العربي والشمم اليعربي ، ومدوا أيديهم وشهروا سيوفهم القذرة على النساء والصبيان والأطفال فسلبوهن ، وأخذوا ما عليهن
__________________
(١) رأس الجبل.
(٢) هو ابو العوارم بن موسى القطين. انظر البيتين في سيرة الهادي ص ٣٧٨.